وليد أنور يوسف الخليلي، 35 عاما، سكان مدينة غزة، متزوج وأب لثلاثة أطفال، يعمل مسعفًا في جمعية الإغاثة الطبية.
أعمل مسعفاً في جمعية الإغاثة الطبية الواقعة بجوار مستشفى القدس في حي تل الهوى في مدينة غزة. يوم الاثنين الموافق/13/11/2023، وفي حوالي الساعة 10:00 صباحاً قابلت الدكتور مروان الرفاتي (أبو فوزي) مالك صيدلية الأسرة بالصدفة في حي تل الهوى في مدينة غزة وكنت أرتدي زي المسعفين الخاص بجمعية الإغاثة الطبية (جاليه أبيض وعليه خطوط صفراء وإشارات الصليب الأحمر والهلال الأحمر) وأحمل حقيبة إسعاف أولي. كنت ذاهباً لمتابعة جروح 3 مصابين في منزل أبو جلال دغمش، فرافقني الدكتور مروان، وبعد الانتهاء من متابعة جروح المصابين خرجنا معاً وسرنا في شارع المغربي باتجاه ملعب برشلونة في حي تل الهوى، جنوب مدينة غزة. وفي حوالي الساعة 11:00 صباحاً وصلنا إلى شارع الصناعة والجهة الشرقية لملعب برشلونة حيث سمعت صوت إطلاق عيار ناري أصاب الدكتور مروان الرفاتي في بطنه ونظرت باتجاه الغرب وهو مصدر إطلاق العيار الناري فشاهدت ولاحظت وجود جنود إسرائيليين في عمارة سكنية تقع غرب ملعب برشلونة مباشرة. وفي غضون ثوانٍ معدودة أطلق جنود الاحتلال من القناصة عياراً نارياً آخراً أصاب الدكتور مروان في رأسه (جبهته) فسقط على الأرض وبقي ينزف حتى استشهد. وواصل جنود الاحتلال من القناصة إطلاق النار تجاهي فاختبأت خلف مقطورة (شاحنة) كانت متوقفة في المكان، ولكنني لم أتعرض للإصابة. وخلال اختبائي خلف الشاحنة، كنت أسمع حركة مرور الدبابات الإسرائيلية وكانت تطلق نيران رشاشاتها وقذائفها المدفعية، وذلك في بداية التوغل البري لقوات الاحتلال الإسرائيلي في جنوب مدينة غزة. بقيت خلف الشاحنة حتى الساعة 01:00 فجر يوم الثلاثاء/14/11/2023، وتمكنت بعد ذلك من قطع شارع الصناعة زحفاً ودخلت شقة في الطابق الثاني في عمارة سكنية خالية من سكانها ومكثت فيها حتى منتصف الليل(15/11/2023) تقريباً حيث سمعت صوت 3 انفجارات متتالية وشاهدت وهجاً أحمراً أضاء المكان وتبعه صراخ لجنود الاحتلال فقدرت أن أفراداً من المقاومة أطلقوا عدة قذائف تجاه دبابات قوات الاحتلال. وبعد وقت قصير اقتحم الجنود العمارة التي أتواجد فيها وفجروا أبواب الشقق بواسطة قنابل أو متفجرات بما فيها باب الشقة التي لجأت إليها فاختبأت في غرفة في خزانة الملابس وقام الجنود بتفتيش شقق العمارة كلها ولم يجدوا فيها أحداً ولم يعثروا علي وبعد خروج جنود الاحتلال من العمارة أطلقوا تجاهها القذائف والقنابل الحارقة فاشتعلت فيها النار، وخرجت أنا مسرعاً من الشقة باتجاه المصعد الكهربائي الذي سقط في الطابق السفلي(بيدروم) وكان معطلاً فنزلت بواسطة حبال وأسلاك المصعد حتى وصلت إلى البدروم وخرجت من شباك إلى منزل مجاور(فيلا) وكانت خالية من سكانها. ومكثت فيها بعض الوقت، ومن شدة التعب نمت حتى الظهر ثم صعدت إلى سطح الفيلا وشاهدت من فوق السطح إقامة خيم لجنود الاحتلال وحولها عدد كبير من الدبابات والآليات في المكان فنزلت عن السطح وأرسلت رسالتين نصيتين من جوالي لزوجتي ود. عائد ياغي، مدير جمعية الإغاثة الطبية التي أعمل فيها، وأخبرتهما بالظروف التي أمر بها.
وفي حوالي الساعة 03:30 مساء يوم الأربعاء/15/11/2023، اقتحم جنود الاحتلال الفيلا التي دخلتها وهم يطلقون النار وشاهدت أضواء الليزر داخل الفيلا فبدأت بالصراخ وقلت لهم توقفوا (ريجا بالعبري) والنجدة (اتسيلوا بالعبري) فأوقف الجنود إطلاق النار وطلب مني جندي خلع ملابسي باستثناء اللباس الداخلي السفلي (بوكسر) والجلوس على الأرض على ركبي والنظر إلى الأرض. ثم قيدني الجنود بقيود بلاستيكية خلف ظهري ووضعوا عصبة على عيني وسار بي الجنود وخرجنا من الفيلا إلى منزل آخر ورفعوا العصبة عن عيناي وكان فيها حوالي 20 جندياً يرتدون زياَ أخضر اللون مموه ومنقوش عليه علم أمريكا. وبدون مقدمات ضربوني على جميع أنحاء جسدي بأيديهم لوقت طويل وهو ما تسبب في كسر بعض عظام صدري ثم أحضروا جهاز كشف الكذب وأوصلوه بجسمي وسألوني عن سبب تواجدي في المنطقة التي اعتقلت فيها فأجبت بكل التفاصيل. ثم سألوني هل أجريت اتصالات من جوالك فقلت نعم فأصدر جهاز كشف الكذب صوت مميز فتعرضت للضرب والصعق بالكهرباء، ثم صححت إجابتي وقلت لم أتصل من جوالي وإنما أرسلت رسالتين نصيتين لزوجتي ومديري في العمل، ولكن ذلك لم يوقف ضربي. ثم عرضت علي صور نفق وأنني خرجت منه، ووجهت لي تهم خطف إسرائيليين وأمريكيين وأنني من قوات النخبة في حماس وأنقل معلومات عن الجيش الإسرائيلي، وأتواجد في منطقة قتال ممنوع التواجد فيها. أنكرت كل هذه التهم فتعرضت للصعق بالكهرباء 5 مرات بواسطة جهاز يحمله الجنود وتعرضت أيضاً للضرب الشديد على جميع أنحاء الجسم وكان الألم شديداً، خاصة بسبب كسور عظام صدري والجروح في رأسي وبسبب عدم قدرتي على التحمل اعترفت بكل التهم الموجهة لي. بعد اعترافي نقلوني وأنا مقيد اليدين خلف ظهري ومعصوب العينين وبدون ملابس باستثناء اللباس الداخلي السفلي (البوكسر) في ناقلة جنود وكان فيها جندي يتحدث اللغة العربية بطلاقة، وعاملني معاملة حسنة وقدم لي الماء والبسكويت وخفف العصبة والقيود البلاستيكية. وسارت بنا ناقلة الجنود لبعض الوقت، ثم توقفت وأنزلوني منها على الأرض. وتعرضت للضرب من قبل الجنود وأنا ملقى على الأرض وبصقوا علي وبالوا علي أيضاً، ثم أعادوني إلى الناقلة وكانت تسير ثم تتوقف عند تمركز جنود آخرين في عدة أماكن وأتعرض لنفس الانتهاكات من قبلهم. ثم نقلت إلى منزل مقصوف ومكثت فيه طوال الليل وأجبرني الجنود على النوم على الأرض حيث الزجاج المحطم وركام المنزل المقصوف. وكان الجنود يصعدون فوق جسمي وهو ما تسبب بجروح في أنحاء جسمي.
وفي الصباح تم نقلي في ناقلة الجنود إلى داخل إسرائيل، وعرفت ذلك بعد تعرضي للشتم من قبل أطفال المستوطنين وشاهدتهم من تحت العصبة، ثم وصلنا إلى موقع عسكري لا أعرف موقعه بالضبط ولا أسمه. وعرضت على محقق قال لي بأنه محقق عسكري من فرقة جولاني وأجبرني على شرب حبة دواء ( أعتقد أنها حبة هلوسة)، وبعد شربها مع كمية محدودة من الماء طلبت شرب مزيد من الماء لكن المحقق رفض. وألبسني الجنود حفاظة (بمبرز) وأوفرهول بني أو زيتي اللون واستلقيت علي سرير بعد وضع طوق من الحديد (أسورة) حول رأسي وقيود حديدية (أسورتين) في قدماي استخدمت لصعقي بالكهرباء في رأسي وقدماي بشكل متقطع. وبدأ المحقق يذكر كلمات محددة وينتظر مني الإجابة مثل (السلاح – حماس – المختطفين – الانفاق – 7 أكتوبر)، وعندما لا أرد أو لا تعجب المحقق إجابتي يصعقني بالكهرباء. وبصراحة كنت أشعر بشيء غريب كأنني أحلق في السماء وغير واعٍ بدرجة كافية للرد على الأسئلة. وبقيت على هذا الوضع عدة أيام، أجبر على شرب حبوب الهلوسة وأصعق بالكهرباء وأتخيل نفسي في منزلنا وأنادي على أهلي، ولم يقدم لي الطعام أو الماء وارتدي حفاظة ولم أشعر برغبة في الذهاب لدورة المياه.
بعد عدة أيام، لا أستطيع تحديدها، نقلت إلى معتقل لا أستطيع تحديد مكانه أو أسمه بواسطة حافلة سارت عدة ساعات وأنا مقيد اليدين ومعصوب العينين. وبعد عرضي على عدة أطباء داخل عيادة المعتقل (السجن)، لاحظ الأطباء حالة الإعياء التي أنا عليها وقرروا ابقائي دون تحقيق لمدة يومين، ومكثت في غرفة بدون نوافذ وفيها سرير. وبعد مرور اليومين، نقلت للتحقيق من محققين قال أحدهما أنهما من الشاباك ومعهما 5 أفراد ملثمين وقفوا خلف الكرسي الذي قيدت فيه من يداي خلف ظهري وقيود في قدماي في أرجل الكرسي. وقبل بداية الاستجواب والتحقيق أجبرت على شرب حبة دواء (هلوسة)، ثم جذب الملثمون يداي للخلف بقوة (شبح) وسبب ذلك ألماً شديداً لي فغبت عن الوعي لبعض الوقت. ثم بدأ استجوابي وتكررت الاتهامات لي بأنني أنتمي لحركة حماس وعضو في نخبة القسام وشاركت في أحداث 7 أكتوبر، وأنا أنكر كل ذلك فيتم شبحي من يداي خلف الكرسي حتى تمنيت الموت للراحة من الألم والعذاب، واستمر ذلك عدة ساعات متقطعة. بعد ذلك أخرجوني لساحة المقر لبعض الوقت ووضعوا قيود في يداي (عضاضة) كل ما أحرك يداي تشتد القيود حولها وهو ما سبب جروحا فيهما ولا تزال آثارها واضحة على المعصمين. وبعد ذلك أعادوني لغرفة التحقيق وشبحوني من يداي للخلف في باب الغرفة لعدة ساعات.
وبعد ذلك نقلت لسجن قد يكون اسمه إيتمار حسب ما تعرف عليه بعض المعتقلين فيما بعد. والسجن عبارة عن عدة أقفاص من الحديد وكل قفص فيه حوالي 100 معتقل ويحيط به سلك شائك وكل المعتقلين مقيدو اليدين للأمام بقيود بلاستيكية ثم قيود حديدية ومعصوبي الأعين. وسلموا المعتقلين ملابس (بيجامة رمادية) وفرشة وبطانية والطعام 3 وجبات ولكنها قليلة جداً ولا تكفي شخص واحد وبصعوبة يسمحوا للمعتقلين بالذهاب للحمام. وكان روتين السجن اسفراه(عدد) بشكل يومي من الساعة 05:00 صباحاً حتى الساعة 12:00 منتصف الليل، ويجبر الجنود خلالها المعتقلين على الجلوس على الأرض على ركبهم ويمنعوهم من التحدث لبعضهم البعض طوال الوقت، ويتخلل ذلك نقل غالبية المعتقلين للتحقيق كل يومين.
وفي إحدى جلسات التحقيق حقق معي محقق قال أنه من جهاز الموساد وأنه حضر للتحقيق معي بحجة تورطي في خطف أجانب خاصة أمريكيين وهددني بالقتل إذا لم أعترف، واعتدى علي عدد من المرافقين له بالضرب بأيديهم لبعض الوقت ثم شربوني حبة دواء (حبوب هلوسة). ونقلوني إلى غرفة ثانية سمعت فيها صوت إطلاق نار وتمثيل هروب جنود الاحتلال وسيطرة أفراد من حماس على المكان ودخولهم الغرفة التي أتواجد فيها وسألوني عن الكتيبة التي أنتمي لها ومكان سكني والمسجد القريب مني. وكانت إجاباتي أنني أعمل مسعفاً ولا أنتمي لحماس أو القسام (وتبين أنهم من العصافير الذين يخدعون المعتقلين ويحصلون منهم على اعترافات). ثم خرجوا وتركوني، ودخل بعدهم جنود ونقلوني إلي مكان آخر عبارة عن كونتينر فيها محقق قال إنه من وحدة جولاني. وربط الجنود قدماي بجنزير ورفعوهما إلى السقف وتدلى رأسي للأسفل وغمروه في وعاء فيه ماء ومن شدة العطش شربت كمية كبيرة من الماء. واستمر غمر رأسي في الماء لبعض الوقت، ثم شبحوني من يداي وقدماي بحيث لا تلامسان الأرض علي سلك مشبك أمام غرفة التحقيق لعدة ساعات، وبعد انزالي أعادوني إلى الغرفة، ورسم المحقق سيارة إسعاف على الحائط وطلب مني الذهاب بها لإحضار السنوار زعيم حماس. قلت له لا يوجد بنزين في سيارة الإسعاف فصعقني بالكهرباء بواسطة جهاز معه، فمثلت قيادتي لسيارة الإسعاف والتوجه لحي تل الهوى في مدينة غزة، وبعد عودتي قلت له السنوار ذهب إلى مصر فضحك المحقق وقال بأنه سيذهب إلى حي النصر في مدينة غزة ويحضر السنوار. بعد ذلك دخلت مجندة وأعطتني قطعة شوكولاتة وأعادوني للقفص.
وفي إحدى جولات التحقيق أخرجوني إلى ساحة وأنا عارٍ، ما عدا البوكسر، وسكبوا ماء بارداً على جسمي وشغلوا مراوح تجاهي فتجمدت من البرد.
وخلال تواجدي في القفص داخل السجن توفي أحد المعتقلين في نفس القفص وثار المعتقلون وحملوه وهتفوا بأنه شهيد التعذيب فاقتحم الجنود القفص الذي أتواجد فيه والأقفاص المجاورة وألقوا القنابل الصوتية واعتدوا على كل المعتقلين بالهراوات. وبعد يومين توفي معتقل ثاني (مبتور القدم/معاق) في قفص مجاور جراء الضرب الذي تعرض له على رأسه خلال اقتحام أقفاص السجن. وبالرغم من العصبة على عيناي إلا أنني كنت الاحظ شبح معتقلين آخرين في البرد والمطر سواء أثناء التحقيق معهم أو بسبب عقابهم لأنهم يتحدثون مع بعضهم البعض. كما كنت أسمع أسماء معتقلين ينادي عليهم الجنود للتحقيق أو للعقاب أو للشبح. ومن الأسماء التي سمعتها اسم د. محمد أبو سلمية مدير مجمع الشفاء في مدينة غزة ود. سيف الجمل ود. عبدربه ولا أعرف اسم عائلته.
أود أن أضيف بأنني تعرضت للشبح على السلك مرتين بسبب حديثي مع معتقل بجواري. وفي آخر ليلة لي في السجن نادى الجنود على حوالي 30 معتقلاً كنت من ضمنهم حيث نقلونا في حافلة سارت بنا عدة ساعات ونحن مقيدو اليدين والرجلين ومعصوبو العينين وننظر للأسفل، وضرب طوال الطريق حتى وصلنا إلى معبر كرم أبو سالم في مدينة رفح جنوب قطاع غزة. وبعد وصولنا طلب منا جنود حرس الحدود جمع الورق وتنظيف ساحة داخل المعبر لبعض الوقت، ثم قالوا لنا اركضوا باتجاه الغرب نحو نقطة للأونروا. وعندما وصلناها استقبلتنا موظفة في الأونروا من جنسية أجنبية وقدمت لنا طعاماً وشراباً(أرز ولحوم وبسكويت وشكولاتة وشاي وقهوة) وكان تناول الطعام بعد حرمان طويل حيث كان الطعام قليل جدا في السجن أو معدوماً( خبز فينو ولبنة وتونة ومربى ولكن بكميات قليلة). بعد ذلك سرنا حتى وصلنا معبر رفح وقابلنا أفراد قالوا إنهم من الأمن الداخلي وسجلوا بياناتنا الشخصية، وسمحوا لنا بالذهاب وصعدنا في حافلة صغيرة أوصلتنا إلى مدينة رفح. وبعد وصولي عرفت أن التاريخ هو يوم 23/12/2023، وبذلك تكون فترة اعتقالي حوالي 41 يوماً، وتمكنت من الوصول إلى زملائي في جمعية الإغاثة الطبية الذين نزحوا من مدينة غزة إلى مدينة رفح، وآخرين من سكان مدينة رفح وأقيم عندهم حالياً.