تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
شهادة مكتوبة
البراءة المنسية: طفلٌ بين أيدي جيش الإحتلال!
تاريح تقديم الشهادة
المصدر
المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان
اسم الشاهد
فادي رجب عبد الكريم حمودة

الطفل فادي رجب عبد الكريم حمودة، 16 عاما، في الصف العاشر من سكان جباليا البلد

أعيش مع والديّ وإخوتي (8 أفراد)، في شقة في الطابق الثاني بمنزل من 4 طوابق، ويسكن في باقي المنزل أعمامي.

منذ بداية العدوان على غزة في 7 أكتوبر 2023، مكثنا في المنزل رغم قصف الطائرات الحربية الإسرائيلية، والأحزمة النارية، والطائرات التي كانت تطلق النار على المنازل في ساعات الليل، وكنا نسمع صوت الدبابات والجرافات في محيط المنطقة.

في حوالي الساعة 8:00 صباح 24/12/2023، اشتد القصف في المنطقة، وكنا نسمع صوت الدبابات والجرافات تبتعد. قرر أبي، 43 عاما، وأعمامي، وجدي عبد الكريم حمودة، 75 عاما، وجدتي الخروج من المنزل على أن نعود عندما يهدأ القصف. توجهنا إلى منزل جدي (والد أمي المتوفى)، الذي يبعد عنا حوالي 200 متر إلى الشرق.

خرجت أنا وأسرتي وأعمامي وعائلاتهم، وعندما وصلنا المنزل لم نجد أحدا، حيث كان خالي وأسرته وجدتي قد تركوا المنزل لا نعرف إلى أين.

مكثنا يومين بدون طعام ولا شراب، وعندما شعرنا بالجوع قرر أبي الخروج من المنزل وهو يرفع راية بيضاء وأنا خلفه.  ومجرد خروجنا فإذا بجنديين إسرائيليين يشهران السلاح علينا، وأمرنا أحدهما بوضع يدينا على رؤوسنا والجلوس على ركبتينا، ثم أمر أبي بأن ينادي على كل من في المنزل ويخرجهم.

خرج الجميع من المنزل، وعندها فصل الجنود النساء عن الرجال وأمروهم برفع أيديهم والجلوس على ركبهم، وأمروا النساء بالذهاب والسير إلى الأمام ومغادرة المكان، ثم نادوا عليهن وأمروهن بأن يأخذن الأطفال. وعندما حاولت أمي أخذي أمرها الجندي أن تتركني، فقالت له إنني صغير وعمري 15 عاما. عندها نادى الجندي على جندي آخر فجاء ومعه جهاز وسألني عن اسمي ورقم هويتي فقلت له لا يوجد رقم هوية، فتقدم الجندي نحو أبي وأخذ ملحق الهوية ثم أعاده إلى أبي وفحص على الجهاز، وقال لأمي اتركيه سنأخذه. فحاولت أمي أخذي وهي تبكي وتقول إنني صغير، فقام الجندي بدفع أمي وألقى بها أرضا، وقال لها غادري المكان، فغادرت أمي المكان وهي تبكي.

اعتقلت أنا وعمي طارق، 45 عاما، وجدي وعمي أحمد، 32 عاما، وابن عمي عبد الكريم طارق حمودة، 20عاما، وعمي أحمد، 32 عاما، وأمر الجندي ابن عمي عبد الكريم بأن يقوم بالطرق على أبواب المنازل، وإخراج كل من هو موجود في منازل الحي. تفاجأت من كثرة عدد الناس، حيث كنت اعتقد أنه لا يوجد رجال ونساء كثر. تم إطلاق النساء والأطفال وبقينا الرجال وكان عددنا نحو 150 رجلا، وفصل الجنود كبار السن في مجموعة، والشباب في مجموعة، وبقيت أنا لوحدي، ثم أجلسوهم كل 7 أشخاص بشكل أفقي وكل واحد هويته أمامه، ثم اعتقلوا 25 شخصا، حيث قيدوا أيديهم للخلف بقيود بلاستيكية، وعصبوا أعينهم بقطعة قماش واقتادوهم على بعد 10 متر شرق مني، وأطلقوا سراح الباقي.

بعدها نادى أحد الجنود عليّ باللغة العربية فتوجهت إليه فقام بتقييد يدي للخلف بقيود بلاستيكية بشكل عنيف، وعصب عيني بقطعة قماش واقتادني والمعتقلين إلى أحد المنازل وأدخلونا في غرفة بالطابق الرابع _ كنت أعد الدرجات_، وكان معي أبي وأعمامي وابن عمي.

شعرت بالألم من شدة القيد على معصمي فناديت على الجندي وأخبرته بأن القيد يؤلمني فضربني بقدمه (بالبسطار)، وبعقب البندقية على رأسي من الخلف ثم بقدمه في أنحاء جسمي. وعندما رآه أحد الجنود جاء وأمره بأن يتركني فتركني وأمرني بأن أجلس على ركبي وأن أنزل رأسي للأسفل، ومكثنا حتى الساعة 5:00 مساء.

جاء أحد الجنود وأمرني بالوقوف وأمسك بي من رقبتي من الخلف وجرني نحو الدرج وأنزلني وهو يضربني ويدفع بي كلما حاولت الاستناد على جدران الدرج. وما إن أخرجني من البناية أوقفني خلف شاحنة وكنت بين جنديين عن يميني ويساري اللذان قاما بحملي وقذفي في الشاحنة. وبعد أن حملونا سارت الشاحنة حوالي 45 دقيقة ثم توقفت في موقع عسكري لا أعرف أين، وألقوا بي على الأرض فوقعت على كتفي وشعرت بألم في كتفي. جاء أحد الجنود وأمرني بالوقوف، فقلت له لا أستطيع، فقام بشدي من كتفي وأوقفني، واقتادني مسافة حوالي 30 مترا وهو يضربني ويدفعني في ظهري. بعدها أجلسني على ركبتي على الأرض ورأسي منخفض للأسفل مدة حوالي ساعة. ثم اقتادوني إلى غرفة كان بها جندي سألني عن اسمي وعمري وأخذ مني 20 شيكل كانت معي، وأدخلوني في غرفة أرضيتها بلاط وأمضيت بها يومين بلا طعام أو شراب، وفي اليوم الثالث اقتادونا إلى باص سار بنا لا أعرف إلى أين.

أنزلوني واقتادوني إلى غرفة وفكوا قيدي وأبقوا العصبة على عيني وأمروني بخلع ملابسي ماعدا (البوكسر)، وأعطوني بيجاما رمادية اللون، فارتديتها ثم قيدوا يدي وقدمي بقيود حديدية وأجلسوني على أرضية من الحصى الكبيرة مدة ساعة ونصف. ثم جاء جندي واقتادني إلى غرفة وأجلسوني على كرسي وحقق معي آخر، وسألني عن بياناتي الشخصية (اسمي وعمري  ورقم هويتي وجوالي)، فقلت له لا يوجد رقم هوية وابلغته بأن أبي رجب معي فنادى على أحد الجنود وقال له أحضر رجب حمودة فأحضروه، فسأله المحقق هل هذا ابنك وعمره 15 عاما، فرد أبي بنعم فأمره بعد ذلك بالخروج، وكانت هذه آخر مرة أسمع صوت أبي وأعمامي حتى الآن.  بعد ذلك أخرجني من الغرفة واقتادوني إلى غرفة أخرى فيها طبيب سألني هل معك أمراض وهل تدخن أو بتحشش، فقلت له لا بعدها ألبوسني حلقة بلاستيك بها رقم اعتقالي 059286، ثم اقتادوني  إلى باص وسار الباص مسافة 30دقيقة. أنزلوني من الباص وأعطوني فرشة سمكها أقل من سم واحد، وبطانية. ونادى على أحد المعتقلين (الشاويش)، الذي اقتادني وأدخلني في البركس المحاط بشبك أرضيته أسمنت مسلح مسقوف بالصفيح. كانت الساعة 10:00 مساء وطلبت من الشاويش طعاماً فأحضر لي بعد 15 دقيقة قطعتين خبز وتفاحة أكلتهم. وبعدها رفعت العصبة عن عيني بعض الشيء فشاهدت معي في البركس حوالي 80 معتقلا. حاولت النوم على الفرشة ولكن الشاويش قال لي لا تنام وإلا سيأتي الجنود ويضربوك وأبلغني أن أصبر قليلا لأن موعد العدد اقترب (اسفرا)، بعد نصف ساعة قمنا بالعدد وبعدها نمت.

 مكثت في الاعتقال 23 يوما تعرضت فيها مرة واحدة للتحقيق بعد 8 أيام من وجودي في البركس، اقتادوني إلى التحقيق، وكان التحقيق حول أين كنت يوم 7/10/2023، وعن الأنفاق، ومن أعرف من حماس، واستغرق التحقيق حوالي 15 دقيقة.

 في حوالي الساعة 7:00 مساء اليوم العاشر من الاعتقال جاء الجنود ومعهم كلاب ضخمة الحجم، وأمرونا بالنوم على بطوننا مع وضع اليدين على الرأس، وأنه من يتحرك سنقوم بنكحه (ممارسة الجنس معه)،  ومن ثم أطلقوا الكلاب علينا التي سار أحدها على ظهري وكانت الكلاب تشمنا ومنها من كان ينبح، وكان الجنود يسبونا ويشتمونا (انتم نساء ، انتم ولاد زنا).

كانت معاناة المعتقلين: كمية الطعام قليلة، في  6:00 صباحا وجبة الفطور قطعتين من الخبز وجبن وخيارة، الغداء 4 سندويشات وحبة طماطم، والعشاء لبنة وقطعتين خبز لبنة  تفاحة، الاستحمام يوم الاثنين والخميس، الصلاة تيمم لا وضوء. وطول فترة الاعتقال كان الوقوف ممنوع، تجلس على ركبتيك على الأرض مقيد بقيود حديدية باليدين للأمام ومعصوب العينين من الساعة الخامسة صباحا حتى الحادية عشر ليلا.

 يوجد شاويش من المعتقلين هو من يوزع علينا الطعام أو يأخذنا إلى الحمام أو يأتي لنا بمياه الشرب من صنبور ماء في المكان.

العد ما يسمى سفرا أربع مرات يوميا الساعة 6 صباحا، الساعة12:00 ظهرا، الساعة 6 مساء، والساعة 10:00ليلا قبل النوم.

في حوالي الساعة 9:00 صباح الخميس 18/1/2024، جاء جندي ومعه كشف أسماء نادى على  13 معتقلا كنت أنا منهم، ثم تأكد من أرقامنا وغادر. وفي حوالي الساعة 10:30 مساء عاد الجندي ونادى علينا وأمرنا بأخذ الفرشة والغطاء، والنوم بجوار باب البركس.

 وفي حوالي الساعة 3:00 فجر الجمعة 19/1/2024، أخرجنا من البركس وفك قيد الحديد وقيد يدي للخلف بقيد بلاستيك وعصب عيني وأعطاني الـ20 شيكل التي أخذوها مني في ظرف وأصعدوني في باص، وأصعدوا أيضا معتقلين آخرين. بعد حوالي ساعتين سار بنا الباص حوالي ساعتين، حيث وصل معبر كرم ابو سالم وأنزلونا من الباص وفكوا قيودنا، وكان عددنا 35 معتقلا، و5 نساء، وأمرنا جنود الاحتلال الإسرائيلي بالسير إلى الأمام. سرنا حوالي 200 متر ثم انحرفنا يميناً وعندما شاهدنا اخطأنا الطريق أطلق جنود الاحتلال الإسرائيلي النار في الهواء فعدنا إلى الخلف حيث انحرفنا وسرنا مسافة 100 متر أخرى فوجدنا سيارتي باص تابعة لوكالة الغوث الأونروا، ركبنا الباصات وأخذونا الى بركس على بعد  200 متر غربا وكان يوجد فيه موظفين من الصليب الأحمر. دخلنا الحمام، وألبسونا وقدموا لنا الطعام، واخذوا بياناتنا الشخصية، ثم نقلونا إلى مركز إيواء مدرسة الطائف الإعدادية للذكور في تل السلطان برفح وأجلسونا في خيم كل 7 في خيمة، ومنا من عاد إلى أهله، وأنا أهلي في الشمال لم أتواصل معهم حتى الآن. أعطاني الصليب مبلغ مالي 500 شيكل، ولكنها نفذت ولا أمتلك الآن على شيكل واحد، وأعاني هنا في الخيمة من البرد القارص، وعندما تهطل الأمطار تغرق خيمتنا ونقوم طوال فترة الأمطار بإزاحة المياه التي تغرق الخيمة إلى خارجها، وأعتمد في الطعام على ما أستلمه من مركز الإيواء من معلبات، وأقوم بطلب الخبز من الناس في مركز الإيواء. أتمنى أن تنتهي هذه الحرب وأعود للعيش مع أهلي الذين لم أتواصل معهم ولا أعرف عنهم شيئا، وهم أيضا لا يعرفون عني شيئا.