تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
شهادة مكتوبة
عذبوني حتى خرج البلاتين من يدي وكتفي
تاريح تقديم الشهادة
المصدر
المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان
اسم الشاهد
عبد القادر جمال محمد طافش

عبد القادر جمال محمد طافش، 32 عاما، متزوج، سكان معسكر جباليا

بسبب تداعيات الحرب الإسرائيلية على غزة، نزحت إلى مستشفى كمال عدوان كحال المدنيين الذين تم قصف منازلهم ونزحوا للمستشفى، وعملت كمتطوع لإسعاف الجرحى الذين يتوافدون للمستشفى خاصة مع نقص الطواقم الطبية.

بدأ الجيش الإسرائيلي يتقدم ويناور في محيط المستشفى، وفي 11-12-2023، وقبل اقتحامه بيوم واحد، استهدف الاحتلال الطابق الأول للمستشفى بقذيفة أدت لاستشهاد 5 أشخاص، ولم نكن نعلم أن هذا الاستهداف هو مقدمة لاقتحام المستشفى خاصة مع وجود مئات المدنيين من الأطفال والنساء داخل أسواره.

في 12-12-2023، وفي تمام الساعة 6 صباحاً، دمر الاحتلال سور المستشفى وكانت الدبابات في الخارج واعتلى القناصة جميع العمارات حول المستشفى. وبدأوا بالنداء علينا بخروج كل من يبلغ من العمر 15 حتى 70 عاما، حيث خرجت أنا وما يزيد عن 500 شخص وكان مطلوب من كل من يستطيع المشي حتى لو كان مصابا، كما تم اخراج كل طواقم المستشفى سواء الأطباء أو الممرضين أو المسعفين وكل من كان على رأس عمله.

خرجنا جميعا وطلب منا خلع ملابسنا كلها وبقينا "بالبوكسر"، واقتادونا إلى معسكر الجيش وأوقفونا أمام كاميرا على بصمة العين وكان أي شخص يريده يتم إرجاعه للوراء وأخذه من الجنود وأنا كنت من الاشخاص الذين تم حجزهم من الجيش.

أنا تعرضت لحادث سير في شهر يونيو الماضي نتج عنه كسر في "عظمة الترقوة" وهي عبارة عن (ميزان الكتف مع اليد) بالإضافة لكسر في جمجمة الرأس "شعر". وكنت أسعى قبل الحرب للحصول على تحويلة مرضية لاستكمال علاجي وخضوعي لعملية أخرى لتعديل المسمار البلاتيني الذي وضع بداخل جسمي بعد إجراء عملية لي في مستشفى الإندونيسي.

عندما تم سحبي من الجيش، قلت لهم إنني لا أستطيع لف يدي للوراء وربطها ولكن لم يستجيبوا وقاموا بتغطية عيني، وجاء أحد الجنود وضربني بحذائه العسكري على رأسي ووجهي. أخبرته أنني مصاب في رأسي ويوجد بلاتين في يدي. فسألني: أين البلاتين؟ وبدأ يضربني عليه حتى تم إخراجه وفقدت الإحساس بيدي. وبعدها تم حملي من رقبتي واخذي إلى غرفة في أحد معسكرات الجيش الموجودة في بيت لاهيا، وتم التحقيق معي وضربي على رأسي ووجهي وتم وضع نمرة عبارة عن رقم في اليد والرجل. وتم اخذنا في شاحنة وكنا معصوبي الأعين، وتم نقلنا باتجاه الشمال لجهة غير معلومة. كانت تلك الليلة صعبة جدا ولن أنساها لأننا كنا عراة وكان الجو باردا وكان هناك امطار ونزل علينا برد الثلج. وأنا بسبب البلاتين تعرضت لضيق نفس وألم فظيع بسبب البرد وأغمى علي وتم ايقاظي من الجنود، واستمر الأمر لمدة ساعة في المطر الشديد. وتم بعدها سحبنا للداخل وألبسونا ابرهول نايلون ابيض، وكنا نتعرض للضرب المبرح والقاسي، ومن ثم تم وضعنا في غرف صغيرة لا تتجاوز 3 أمتار وتم وضع الأسرى فوق بعض، وتركونا جالسين على ركبنا إلى أن صار معي انزلاق غضروفي وتمزق في عضلات الرجل، وكانت ليلة من أصعب الليالي ونحن مكبلين ومعصوبي العينين ويمنع علينا إنزال رأسنا أو الغفو لدقائق. وفي الصباح تم سحبنا وإدخالنا في مدرعات والضرب مستمر طيلة السير وتم تسليمنا لباصات عرفنا خلالها اننا متوجهون لإسرائيل بالداخل.

تم استقبالنا في السجن بالضرب في مختلف أنحاء الجسم وخاصة الأماكن الحساسة، وأول ما دخلنا إلى عنابر أشبه بكراج كبير أو بركس، واستمريت في نفس المكان مدة 40 يوما في حالة يرثى لها من شدة الألم. وفي إحدى المرات تعبت وأغمي علي وسقطت على رأسي، وعندما استيقظت كنت اشعر أنني سأموت من الألم خاصة ضيق النفس الذي كان يسيطر علي بسبب البلاتين المكسور في يدي.

كنت أشاهد بسبب اعتباري حالة انسانية عدد كبير من الشباب ومن صغار السن يتعرضون لتعذيب كبير حيث يتم منعهم من النوم سوى 4 ساعات في اليوم وتركهم ينامون في البرد ويتعرضون لضرب مبرح وقاسي.

كان يتم إيقاظنا من النوم عبر الضرب على الحديد والزينقو منذ الفجر ما يسبب لنا الفزع والخوف ونحن فعليا لم نكن نستطيع النوم بسبب البرد الشديد. وكان يتم إحضار وجبة فطور لنا عبارة عن ربع رغيف "ليخم" وجبنة لا تكاد تشبع طفل صغير وكذلك الغداء والعشاء ما تسبب في تلبك في المعدة.

كنا لا نستطيع الكلام في المكان وصمت رهيب يخيم على المكان رغم وجود حوالي 100 شخص معتقلين من شدة الخوف والترهيب الذي تعرضنا له. وكان يتم إطلاق الكلاب علينا لترهيبنا بحجة التفتيش على الرغم من عدم وجود ملابس سوى التي أعطونا إياها من بداية احتجازنا.

وكانوا في بعض الأوقات يتم الدخول علينا في المردوان وجعلنا نرفع الفراش الخاص بنا والذي كان سمك الفرشة حوالي 1 سم أو أقل بحجة الغسيل وشطف المكان، كنا نتمنى أن نكون في الحرب وفي غزة ولا أن يتم إذلالنا بهذه الطريقة البشعة.

ظروف الاعتقال كانت صعبة وغير إنسانية، من أحد ملامحها أن الجيش كان يحرمنا من الذهاب لدورات المياه، لدرجة أنهم كانوا يتركون الكبار في السن يبولون على أنفسهم.

وفي اليوم الأخير لنا وتقريبا بتاريخ 19-1-2023،  نادى السجانون على 10 أسماء دون معرفة السبب، فمنهم من يتم أخذه للمخابرات ومنهم من يتم نقله لعنبر ثاني، حيث تم النداء على اسمي وأخبروني بأنه سيتم نقلي للمستشفى وفي الطريق كان يتم ضربي وشتمي مع وجود الكلابشات في رجلي ويدي وأخبروني أنه سيتم عمل عملية لي في الداخل لوجود كسر جديد. وبعدها تم الحديث معي من الدكتور أن حالتي جيدة ولا تستلزم العملية، ومن ثم رجعت للعنبر. وفي ساعات الليل وتقريبا الساعة 11:30 ليلا نادوا علينا مرة ثانية وعزلنا بالقرب من الشبك تمهيدا لإخراجنا ولكن كانوا يتعاملون مع بعض الشباب بأسلوب مختلف عبر إيهامهم أنه سيتم الافراج عنهم ووضعهم مع الشباب المفرج عنهم ومن ثم يتم إرجاعهم للعنبر ما يجعلهم في حالة نفسية صعبة ويبكون من القهر.

وبعد ذلك أخرجونا وكانت الطقس شديد البرودة، خاصة أنه معي أيضا مرضى وكبار في السن يبلغون 60 عاما، وتم توصيلنا لمعبر كرم ابو سالم وقاموا بفك العصبة عن أعيننا وأيضا الكلابشات من أيدينا، مع العلم انه العصبة لم يتم فكها من عيني طيلة 40 يوما. وعند رفع العصبة كنت لا استطيع النظر في السماء أو للأمام وبعدها تم انزالنا داخل المعبر وإعطائنا زجاجة ماء وقطعة بسكويت ومن ثم خرجنا من المعبر ومعنا نساء كن محتجزات، وتم الطلب منا الركض وطلبوا منا النداء بشكل جماعي "تحيا اسرائيل" ودخلنا في طريق غلط فقامت القناصة بإطلاق النار علينا ومن ثم طلبوا منا التوجه لطريق آخر مع عدم توقف إطلاق النار، وبعدها استلمني الإسعاف وتم نقلي إلى مستشفى ابو يوسف النجار.

علمت لاحقا أن أهلي لا زالوا في الشمال، مع العلم أن والدي وأخي اعتقلا معي ولم اكن اعلم عنهم شيء وبعد خروجي علمت انه تم الافراج عن والدي بعد شهر من اعتقاله الى رفح، كما أنني لا اعرف مصير أخي حتى اللحظة.

أنا الآن بحاجة لعملية عاجلة لفك البلاتين الموجود في كتفي وتركيب بلاتين آخر مع وجود مشاكل في الركبتين بسبب إرغامنا على الجلوس عليها طيلة ساعات طويلة.

 

يوم الإفراج عني أفرج عن من 150-200 مواطن، بينهم 7 نساء.