عماد عبد الهادي ديب أبو مهادي، 35 عامًا، متزوج وعندي 6 أبناء، معلم لغة لإنجليزية، سكان جباليا، شمال غزة.
في 7 أكتوبر 2023، كنت أتجهز أنا وأطفالي لذهابنا إلى المدرسة، سمعت صوت انفجارات وتبين أنها إطلاق صواريخ أطلقتها الفصائل الفلسطينية، وأن هناك عملية في الغلاف. توقعت أن الأمور سوف تصبح سيئة وأنها بداية لتصعيد على قطاع غزة، فذهبت مسرعا إلى السوق لشراء جميع مستلزمات واحتياجات البيت من طعام ومواد تموينية ومن ثم جلست في البيت. وبعد عدة ساعات بدأ القصف والغارات الإسرائيلية على قطاع غزة وبدأت المجازر وبدأ الخوف، وبقيت داخل البيت أنا وعائلتي، ومكثنا لمدة 3 أيام. بعد ذلك توجهنا إلى بيت عائلتي القريب من بيتي بمنطقة مقبرة الفالوجا، حيث بيت العائلة مكون من 5 طوابق يقطنه أكتر من 40 شخصاً، وبقينا هناك لغاية نهاية الأسبوع الأول.
في 13/10/2023، ألقى جيش الاحتلال منشورات على مناطق الشمال ومدينة غزة طالبين السكان النزوح إلى جنوب وادي غزة، فتوجهت أنا وعائلتي إلى مدينة دير البلح عند بيت عمتي، وكان يعيش فيه أكتر من 70 شخصا، فقضينا مدة أسبوع في دير البلح لغاية استهداف البيت المجاور لبيت عمتي. ونتيجة القصف تعرضت زوجتي وبناتي (بيسان وسارة ) للإصابة ونقلوا إلى مستشفى شهداء الأقصى. وبسبب كثرة أعداد الإصابات والنازحين والشهداء داخل المستشفى وقلة الإمكانيات الصحية، قررت أن أتوجه انا وعائلتي لشمال غزة حتى أذهب إلى إحدى المستشفيات.
في اليوم الثاني رجعنا إلى منطقة الفالوجا بمدينة جباليا عند بيت عائلتي وأحضرت أحد اصدقائي يعمل بمستشفى الاندونيسي حتى يقوم بعمل تغيير على إصابات زوجتي وبناتي، وبحمدالله إصاباتهن كانت خفيفة. وبعد ذلك قضينا مدة الهدنة الإنسانية (استمرت أسبوعا من 24 نوفمبر 2023) ببيت العائلة وكنا نتوقع بأن الحرب سوف تنتهي وتستمر الهدنة.
ولكن بعد 3 أيام من انتهاء الهدنة الإنسانية تفاجأنا بأن الدبابات الإسرائيلية وصلت لغاية منطقة الفالوجا وبجوار منازلنا. بقيت أنا وعائلتي مختبئين داخل البيت لمدة أسبوع كامل محاصرين، وكنا نسمع صوت إطلاق النار وقصف متواصل من طائرات الإسرائيلية. وفي نفس اليوم تعرضنا لقصف مدفعي بعدة قذائف.
وفي 10/12/2023، سمعنا صوت انفجار من جهة باب البيت وكنا خائفين جدا. وبعد دقيقتين تقريبا انفتح باب البيت ودخل علينا جنود الاحتلال وحجزونا داخل غرفة وكان عددهم أكتر من 40 جنديا. وكنت أتحدث معهم باللغة الإنجليزية، وأخبروني بأنهم سوف يقومون بالتفتيش وأن نبقى هادئين وألا نتحرك. بعد نصف ساعة تقريبا وجدوا فشكة صغيرة فارغة لرصاصة كانوا أطفالنا يلعبون بها قبل الحرب. أتى لي أحد الجنود وقال: أنتم تطلقون علينا النار وهذا دليل وأنتم مع الإرهابين، وقام بأخذي إلى الطابق الأول وأدخلني داخل غرفة وبدأ يحقق معي وكان يلوح بالسكين أمام وجهي ويضعها على رقبتي وبدأ يسأل عن عائلتي وعن أخواتي وعن جيراني وعن المقاومة وقد تعرضت لضرب أثناء التحقيق. بعد التحقيق قام بإنزالي عند عائلتي وقال لي اجلس بطرف الغرفة ووجهك تجاه الحائط ولا تنظر للخلف.
وبعد ساعة تقريبا طلبوا من أبي والنساء والأطفال بأن يخرجوا من البيت ويتجهوا إلى مستشفى الشفاء، وبقيت أنا وأخي أدهم وابن عمي عمر لمدة 8 ساعات متواصلة بتناوب يتم التحقيق معنا ويقومون بضربنا بشكل متواصل.
وبعد ذلك قيدوا أيدينا بأربطة بلاستيكية وعصبوا عيوننا وسحبونا خارج البيت وكانوا يقومون بضربنا في الشارع أثناء المشي بالعصي والأسلحة وهددونا بالقتل أكثر من مرة. وأخبرني أحد الجنود عند وضعه السلاح على رأسي هل أقتلك فأخبرته نعم اقتلني من شدة الوجع والألم الذي أشعر به. وبعد ذلك أتى ضابط وأخبر الجنود ان ينقلونا، فوضعونا نحن الثلاثة داخل قفص ونقلونا إلى موقع للجيش وكانت مدة الطريق تقريبًا 5 ساعات ونحن بالقفص.
بعد وصولنا أخرجونا من القفص وأدخلونا إلى غرف صغيرة ليحققوا معنا وأثناء التحقيق تعرضت للضرب المتواصل حتى فقدت الوعي 3 مرات أثناء التحقيق من شدة الضرب والألم الذي أشعر به، وبقينا مدة يوم داخل الموقع العسكري.
في اليوم التالي، تم نقلنا إلى سجن لا أعرف اسمه حيث كان يوجد بداخله مجموعة بركسات، قضينا 18 يوما داخله. كنت أتعرض للضرب والشتم بشكل متواصل بدون راحة، وكانوا يقدمون لنا وجبة صغيرة من الخبز والمربى لإبقائنا على قيد الحياة.
وفي 28/12/2023، أتى إلينا ضابط وأخبرنا بأنه سوف يضع شاويش داخل البركس وأخبرني بأن أكون أنا الشاويش، بحيث أكون مسؤولا عن المعتقلين وأعرف طلباتهم، فأخذوني أنا و5 أشخاص وأوقفوني عند باب البركس حتى أتجهز للشاويش. بعد 5 دقائق أتت وجبة الفطور للسجناء ولم يكن لنا وجبة فيها أنا و5 أشخاص، فأخبر الجندي الضابط عنا بأن ليس لهم وجبة، فرد عليه الضابط سوف يفطرون بغزة، فعرفت وقتها بأنه سوف يفرج عني. أخبرنا الضابط بعد أن قاموا بربطنا وأغمضوا عيوننا أن نتجه نحو الباص ونصعد داخله، وانتظرنا 15 دقيقة تقريبا لغاية أن امتلأ الباص ثم تحرك الباص واستغرق وصلونا لغاية معبر كرم أبو سالم مدة 30 دقيقة تقريبا، وبدأوا بإنزالنا وأخبرونا بأن نركض خارج بوابة المعبر ولا ننظر للخلف، بعد أن فكوا قيودنا ونزلنا من الباص وقمت بالركض مسرعًا نحو البوابة الخارجية.
وعند خروجي استقبلني الصليب الأحمر وموظفو وكالة الغوث وأخبرتهم بأني موظف (معلم) بوكالة الغوث فقدموا لي بعض البسكويت وزجاجة مياه وأخبروني أن أتوجه نحو نادي وكالة الغوث بمنطقة رفح وأنهم سوف يهتمون بي. وعند وصولي لنادي الوكالة لم أجد مكانا لأمكث بسبب كثرة النازحين بداخله، فتوجهت لمدينة دير البلح حيث أقاربي وإخوتي يمكثون بمدرسة عبد الكريم العكلوك، واطمأننت على عائلتي وعرفت أن زوجتي وأبنائي لم ينزحوا معهم، وبقوا في مدينة غزة وأنهم بخير، ومنذ ذلك اليوم وأنا أمكث داخل المدرسة مع إخوتي وأقاربي لغاية يومنا هذا.
أطالب بوقف إطلاق النار والرجوع إلى بيتي وحتى لو بخيمة صغيرة واطمئن على زوجتي وأبنائي وعائلتي، وأطالب بأن تنتهي هذه المعاناة والحروب المتواصلة علينا من قتل وتهجير ومجازر ونعيش حياة كريمة آمنة ونوفر مستقبل لأطفالنا بعيد عن الحروب والقتل.