تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
شهادة مكتوبة
اعتقلوني 43 يوما وفرقوني عن أبنائي
تاريح تقديم الشهادة
المصدر
المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان
اسم الشاهد
نادية نايف حسن الحلو

نادية نايف حسن الحلو، 44 عاماً، متزوجة وأم لـ 3 أطفال، سكان الشيخ رضوان في غزة، وحاليا نازحة في رفح.

أنا متزوجة منذ 14 سنة من يحيى محمد إبراهيم الحلو وأم لـ 3 أطفال أكبرهم ماريا، 13 سنة، وأصغرهم محمد، 7 سنوات.

بدأت معاناتي منذ 8/10/2023، اليوم الثاني للحرب الإسرائيلية على غزة، عندما قصفت قوات الاحتلال منزل أختي التي تسكن في منطقة الكرامة (السفينة) وكانت قد أخلت منزلها متوجهة لمنزلي المكون من غرفتين وصالة وطبخ وحمام. ومن بداية الحرب كان جيش  الاحتلال الإسرائيلي يقوم بالاتصال على هاتفي بواسطة اسطوانة بالإخلاء. وكثرت هذه الاتصالات بالتزامن مع قصف منزل يبعد عن شقتي ثلاثة منازل وقد تم تدمير هذا المنزل والمنازل المجاورة لشقتي بشكل كامل وخوفا على صغارنا خرجنا من المنزل متفرقين أنا وأختي وكلانا مع أبنائها لمنطقة الجنوب.

يوم السبت 11/11/2023 خرجت من منزلي الساعة الثامنة صباحاً متوجهة لمنطقة الجنوب، بناء على طلب قوات الاحتلال بدعوى أنها منطقة آمنة حفاظا على سلامتنا على حسب زعمهم. خرجت ومعي بعض الملابس والنقود مستقلة سيارة أجرة ،أوصلتني لمنطقة دوار الكويت وهي آخر نقطة يمكن للمواصلات من شمال القطاع الوصول إليها بسبب وجود جيش الاحتلال على حاجز بالقرب من وادي غزة. أوصلتني السيارة لدوار الكويت وتابعت السير مع أبنائي الثلاثة متوجهة للحاجز للعبور للطرف الآخر (الجنوب الآمن على حسب ظني).

عند الحاجز كان هناك عدد من أفراد جيش الاحتلال موجهين أسلحتهم على النازحين إلى الجنوب والخوف والهلع على وجوه النازحين. قبل الدخول عبر الحاجز كان هناك جندي إسرائيلي على ميكرفون ينادي على الأشخاص الذين يريدونهم، فقام بالمناداة قائلاً: الست اللي ماسكة الولد اللي على ايدو اليمين رمادي يجي هان الولد. كنت وقتها انا ماسكة يد ابني ولما حكى الجندي الإسرائيلي الكلام أصابني الرعب من أن يكون الكلام موجه لصغيري. التفت على جانبي ووجدت أن الكلام موجه لشاب خلفي مع الدته على حد علمي وقام الشاب بالتوجه إليهم.

وطوال فترة عبور الحاجز كان يمنع رفع الرأس وممنوع النظر على الجانب والأسلحة مصوبة نحو رؤوسنا. عبرنا الحاجز وقتها أنا وصغاري بسلام، وكانت آنذاك الساعة العاشرة والنصف صباحا كنت على مفترق النصيرات. توجهت إلى مدرسة في النصيرات في منطقة السوق ولم يكن هناك متسع لنازح آخر فيها من اكتظاظ للنازحين. توجهت لأحد أقاربنا فاعتذر مني بأنه لا يستطيع استقبالي في منزلهم لأنه معرض للقصف بسبب خطورة المكان (وبعد ذلك علمت بقصف منازلهم بالفعل)، فتوجهت لمنطقة البريج لمدرسة أبو الحلو الابتدائية الواقعة في بلوك 7.

ومن تاريخ 11/11/2023 لتاريخ 27/12/2023 كنت مع صغاري في المدرسة وكان جيش الاحتلال الإسرائيلي يلقي المناشير على المنطقة وأنه يجب علينا اخلاء المناطق المشار اليها بالمنشور، ومن ضمنها كان بلوك 7 المتواجد فيها المدرسة. لم يكن لنا مكان لآخر نلجأ أليه بعد كل هذا النزوح، وبقينا داخل المدرسة.

 في ليلة 28/12/2023، استيقظت على صراخ الأطفال والنساء من الخوف الساعة الثانية ليلا حيث قام جيش الاحتلال الإسرائيلي بمحاصرة المدرسة. وفعلياً لم يجرؤ احد على التحرك خارج المدرسة بسبب الحصار وقيام جيش الاحتلال بالقصف وإطلاق النار طيلة الليل.

وهنا تبدأ المعاناة

28/12/2023 الساعة العاشرة صباحا جيش الاحتلال الإسرائيلي أحاط المدرسة بشكل كامل بالأليات العسكرية والجرافات وجرف محيط المدرسة بالكامل ثم تحركت الآليات العسكرية والجنود. وصار جيش الاحتلال ينادي بواسطة ميكرفون على الرجال أن يخرجوا بدون ملابس فقط الهوية واللباس الداخلي من سن الـ 16 لما فوق.

الساعة الثالثة مساء هذا اليوم المؤلم نادى جنود الاحتلال علينا مرة أخرى قائلين: النساء تخرج ومعها شنطها عبر الممر الأمن للجنوب. في ذلك الوقت ظننت أننا قد نجونا وسنخرج سالمين انا وابنائي لمنطقة آمنة في الجنوب. وهنا كانت الخدعة الأكبر، في هذه المرة لم اقم بأخذ ملابسنا، قمت بأخذ ما تبقى عندي من معلبات وقمح كنت قد قمت بطحنه لأطعم أطفالي. أوقفنا جيش الاحتلال الإسرائيلي وكان أمامنا كاميرات وكان الجيش يوزع مياه على النساء الذين يسمحون لهن بالعبور. قلت لأبنائي: هلقيت بيعطوني مية وبنروح. كان جيش الاحتلال حافرين جورة كبيرة وقاموا بوضع السيدات اللواتي لا يريدوهن فيها. وعند مروري نادى عليّ الجندي الإسرائيلي: أنت أم شالة معرقة تعالي. من الخوف وقتها ابني الصغير حضني وأنا لم أعره الاهتمام الا أنه لم يشفق على صغيري وعاد بالمناداة علي مرة أخرى: أنت اللي حاطة كمامة زرقة ومنزلاها تعالي. قلت لأبنائي: لا تقلقوا، سيعطونني الماء ثم آتي اليكم. اخدوني وقعدوني على تلة وصغاري لوحدهم لا احد معهم ولا احد يعرفهم في المكان، كان بالمكان جندي إسرائيلي يقوم بإطلاق النار على الأعمدة بالشارع وآخر يقول (حسبنا الله ونعم الوكيل  يا الله يا الله ) مستهزئا بنا.

بعد ذلك عند سؤالي إلى اين تأخذونني ولماذا؟ قال لي الجندي الإسرائيلي مصوبا سلاحه خلفي ويضعه في ظهري امشي يلا امشي دافعا إياي بسلاحه وانا أتابع السؤال إلى أين تأخذني إلى أين فأجاب أخيرا إلى الدكتورة لتراك.

على بعد 10 ـمتار من المدرسة كانت هناك خيمة فيها جندية إسرائيلية قامت بتفتيشي تفتيش اولي قائلة لي (افتحي عبايتك ارفعي بلوزتك ارفعي اواعيكي ارفعي بنطلونك اشلحي شالتك). كان بحوزتي نقود قام الجندي بأخذ النقود وتفتيشهم ورميهم مرة أخرى لي.

بعد أن قامت الجندية الإسرائيلية بتفتيشي قلت لنفسي انهم سيسمحون لي بالعودة الآن لأبنائي، ولكن تفاجأت بالجندي الإسرائيلي من خارج الخيمة يقول لي يلا يلا وموجهاً السلاح خلفي بخطوات يملؤها الخوف والجندي يقوم بدفعي بالسلاح بقوته يلا يلا امشي. وعنما اسأله إلى اين يقول شيكت شيكت (يعني اخرسي).

دفعني الجندي الإسرائيلي نحو شحن مفتوح وضع فيه عدد من الشباب غير مرتدين ملابسهم باستثناء الداخلي ونساء اعتقلوهن معي وانا اصعد الدرجات لدخول الشحن التفت لمنطقة الجبل وجدت ابنتي الصغيرة فوق الجبل تلوح لي بيدها واعتقدت بأن ابنتي مطمئنة لرجوعي رغم أخذهم لي. ثم قام جنود الاحتلال الإسرائيلي بربط كلتا يداي واقدامي ووضع عصابة على عيني وضربي بسلاحه في ظهري أمام أعين طفلتي لأجلس في الشاحنة ثم قام بوضع الهوية بين يدي ولكن بسبب قوة الرباط عليها لم أستطع حملها فوقعت من يدي فقام بضربي مرة أخرى على كتفي بسلاحه قائلا امسكي هويتك.

ومن الساعة الثالثة عصرا حتى الساعة السابعة مساء ونحن داخل الشاحنة، ثم سارت بنا. وأنا بسبب مرضي (ضغط وسكر) كنت أنادي بين الحين والآخر بأني أريد الماء ولم يجبني أحد، فقط يقول الجندي شيكت (اخرسي). وعند وصولنا قام جندي بسحبي من يداي بقوة وأنا معصوبة العينين فوقعت على جندي آخر، فقام بإزالة العصبة عن عيني. سألت: اين أنا؟ فقال لي: اهلا بك انت في إسرائيل. كان المكان واسعاً اشبه بموقع عسكري. انهارت اعصابي وحالة من البكاء المستمر من الخوف على ابنائي الذين ليس لهم احد بالمكان.

مكثنا مدة نصف ساعة وقامت الجنديات بتفتيش ملابسي والضغط على جسمي من الخارج ورمي كل ما كان بحوزتي من ورق محارم وبسكويت ثم قاموا بنقلنا إلى شحن آخر مليء بشباب تم ضربهم ووجوههم واجساهم ملطخة بالدماء وملابسهم شفافة لا تقيهم البرد. قبل أن تتحرك الشاحنة قام الجنود برمي 10 بطانيات على النساء الموجودات داخل الشاحنة ولكن لسوء حالة الشباب الموجودين معنا وعدم ارتدائهم الملابس قمنا برمي الاغطية عليهم لعلها تقيهم البرد. وكان الجندي الإسرائيلي يقول (خلص انتم هتروحوا). ولكن ما ان فرحنا عند سماع الخبر حتى عدنا للحزن عندما علمنا ان الكلام لم يكن لنا بل لشاحنة أخرى وأن رحلتنا معهم قد بدأت للتو.

في ليلة 29/12/2023، جرى تفتيشنا من قبل الجنديات مرة أخرى من فوق الملابس ونقلنا لباص مغلق لا يمكن رؤية شي منه. في ذلك الوقت كنت اطلب الماء من الجنديات الاسرائيليات لشدة عطشي ولكن لم يستجبن لي، وعندما أقوم برفع رأسي تقوم الجندية الإسرائيلية بضربي أما بيدها او بسلاحها على رأسي وبقدمها في ظهري وكانت تقوم بشتمنا بألفاظ نابية.

بعد مدة تتراوح بين 3 إلى 4 ساعات، أنزلونا من الباص الأول وقاموا مرة أخرى بتفتيشنا من فوق الملابس ونقلنا إلى باص اخر. وقبل الصعود للباص جاء جندي إسرائيلي ومعه زجاجة ماء ويقول بدكم تشربوا وشربنا كل وحدة نقاط معدودة لا تتجاوز ربع كأس ماء. وبسبب التعب وبعد شربي لكمية الماء القليلة نمت في الباص وأيقظوني لإنزالي في مكان شعرت بأني أسير على أسفلت وأجلسونا مدة نصف ساعة في مكان مفتوح ثم نقلوني لغرفة مغلقة فيها 4 جنديات اثنتان منهن مسلحات واثنتان منهم للتفتيش وهنا كنا في سجن عنتوت في القدس.

داخل الغرفة المغلقة قامت الجنديات الاسرائيليات بدفعي وضربي بأقدامهن وأزلن ملابسي كلها عن جسدي وهذا ما يسمى التفتيش العاري والتعامل معي بسوء أثناء التفتيش.

بقيت باللباس الداخلي التحتي فقط ثم اعطوني ملابس عبارة عن بيجاما لبستها على جسمي العاري وبعد رجاء شديد قامت بإعطائي غطاء رأسي وقاموا بإعطائي ثلاث ورقات عبارة عن ورق الأمانات وقاموا بتسجيل ما املك من أموال وحلق ذهب وملابس وقمت بالإمضاء على هذه الأوراق الثلاث.

ثم قاموا بوضع جنازير بيدي وقدمي والبسوني اسورة سوداء عليها رقم 644، وانزلوني لساحة وأحد الجنود يقوم بسحبي من الجنازير من الأمام والآخر بسلاحه يدفعني من الخلف وأنا معصوبة العينين. وأجلسوني على ركبي في منطقة مسيجة وعلى حجارة عبارة عن حصمة. ووقتها سمعت صوت بنت بتنادي ماما ماما لا إرادياً اعتقدت أن الصوت صوت ابنتي ناديت بصوت عالي ميمي معتقدة أنها ابنتي ولكن خاب ظني وكانت فتاة في العشرين من عمرها.

ثم قاموا بسحبي لمكان عبارة عن عيادة وأنا معصوبة العينين. ولما وصلت قال لي الدكتور (من شو بتشكي وشو عندك أمراض) وعندما أخبرته بأن أذني تؤلمني وأريد علاج لها رفض، وأنني مريضة ضغط وسكري. فقال لي إن ذلك ليس من اختصاصه، وكان فقط لتعبئة بيانات.

ثم قاموا بأخذي لمكان واسع وأجلسوني على قدماي.  كنت متعبة ونمت على أرضية المكان، ولكن الجندي الإسرائيلي قام بضربي بقدمه وسلاحه وقال: ممنوع تنام، قوم. وكان البرد شديداً.

بعد ذلك قاموا بوضع (سويتر) على جسدي وانا مقيدة بالجنازير ثم نقلونا لمكان آخر يبعد عن المكان الذي كنت أتواجد فيه مسافة ربع ساعة مشيا على الأقدام، ثم قاموا بفك الجنازير واستبدالها بقيد بلاستيكي وشدها إلى أقصى درجة ممكنة على الأيدي وهنا كان عبارة عن قفص كبير يسمى سجن عنتوت وأمسكني الجندي الإسرائيلي من يداي ووضعني داخل القفص المحاط بكاميرات. وبقيت مدة 11 يوما مقيدة الايدي وعلى كتفاي (السويتر) فقط. لم نكن نستطيع الصلاة ولا يوجد مياه شرب نظيفة، المياه لونها من لون الحليب وطعمها كلور. وكان الطاعم عبارة عن علبتين لبنة وقطعتين خبز لكل أسيرة معي. وطوال الـ 11 يوما كانت الجنديات والجنود يسبون ويبصقون علينا، عدا عن تشغيل جنود الاحتلال للموسيقى بصوت مرتفع واحضار ما لذ من المأكولات وأكلها أمامنا والمياه المعدنية النظيفة التي كنا نحرم منها في السجن.

وخلال الـ 11 يوما تم أخذي لغرفة التحقيق مرتين وسؤالي عن أخوتي وهل اخرج في مسيرات العودة وكانوا يملكون جميع بياناتي وبيانات عائلتي وأخوتي ويقولون لي (غيري اقوالك بنطلعك بسرعة ضليتي على أقوالك راح تتعفني بالسجن عنا.. قولي الصحيح بترجعي لأولادك).

في يوم 2/1/2024، تقريبا الساعة 6 صباحا، أخبرونا بأننا سنعود لمنازلنا، ولكن تم نقلنا لمكان لا أعرف ما هو، مكان واسع وكأنه موقع مليء بأقفاص اشبه بمركز، ولكنه كان بعيدا جدا. وتم التحقيق معي فيه وتم تهديدي بأبنائي وضربي من الخلف بالسلاح وكان كرسي التحقيق بداخله جنازير تمسك الاقدام مجرد الجلوس عليه وهو بداخل دائرة ستقوم بابتلاع من يجلس على هذا الكرسي.

وتم أخذي وتصويري ومن خلفي علم إسرائيل وتم عمل كارنيه خاص بي وتم عمل تثبيت بيانات مرة أخرى وتسجيل معلومات المرض الخاص بي وتفتيشي مرة أخرى، ومن ثم نقلي في باص مدة الطريق كانت 3 ساعات تقريباً. كانت المجندات  يقمن بأكل الشكولاتة والمكسرات وعلب الكولا امامنا وضربنا بأسلحتهن وشتمنا. ثم تم إنزالنا لسجن آخر يدعى الدامون في حيفا ومع التعب والاعياء تقيأت ما بداخلي وأصابتني حالة من الأعياء بسبب الاختناق من المكان المغلق ولم يكترث لي أحد. وتم إنزالنا في مكان أشبه بمدرسة وأدخلونا في غرفة وأخذونا واحدة واحدة وتم تفتيشنا تفتيشاً عارياً. ثم قامت المجندة الإسرائيلية بإعادة تقييدي بالجنازير ونقلي لغرفة تحقيق أخرى وسؤالي ( ليش نزحتي وين كنتي بغزة وين كنتي بالبريج) وكل هذا كان أمامي كاميرا أثناء التحقيق، ثم تم نقلي لغرفة تحقيق أخرى وسؤالي عن مواقع التواصل الاجتماعي وأرقام الجوال الخاصة بي وتسجيلها.

ثم أرجعوني للغرفة الأولى مرة أخرى في هذا الوقت كنت قد استهلكت طاقتي وبسبب مرض السكر أحتاج لأكل السكر فقامت إحدى الأسيرات معي بالمناداة عليّ من الخارج حتى استجاب لندائها دكتور من الموجودين وأعطاني علبة شوكو صغيرة الحجم وشوكة قمت بإطعام جميع الأسيرات العشرة منها لأننا كلنا بحاجة لها وثم قمنا بالمناداة على الدكتور مرة أخرى ليسعفنا بأي طعام من الموجود على الباب فقال لنا إن الطعام ملقى في القمامة ومع ذلك طلبنا منه إعطائنا منه من شدة الجوع.

ثم نقلنا جنود الاحتلال ونحن مقيدات بالجنازير إلى غرفة من غرف سجن الدامون ووضعنا فيه وبقيت مدة 30 يوما. الأكل كان عبارة عن كوز لبن الفطور والغداء وجبة أرز أو معكرونة وعلى العشاء بيضة المياه طعمها كلور. كنا نخرج ساعة في النهار للاستحمام وكان الجنود والمجندات الإسرائيليات يعطوننا كريمات لإزالة آثار الحبال البلاستيكية والجنازير عن أيدينا.

آخر 11 يوما في سجن الدامون، تم وضعي أنا و10 فتيات من الأسيرات في غرفة أخرى مغلقة ولا يوجد في الغرفة مياه والحمام غير نظيف ومليء بالفاش وكانت مدة الفورة والاستحمام 25 دقيقة وكان الجنود يخرجونا كل 4 فتيات مع بعض فقط وهذه الغرفة كانت عبارة عن عقاب وصغرت مساحة الاشناف (فتحة صغيرة في الباب لإدخال الطعام) وتصغير كميات الطعام.

بتاريخ 6/2/2024 قال جنود الاحتلال: يللا بدنا نروحكم. ومرة أخرى تم تفتيشي بغرفة مغلقة تفتيشاً عارياً، ثم أدخلوني إلى قفص صغير كان فيه أسيرات. وتم تقييد يداي وقدماي ومن ثم تم نقلنا بسيارة أشبه بسيارة إسعاف ويجلسون كل 4 بنات وأيدينا وأرجلنا مقيدة بالجنازير ووضعنا داخل مساحة صغيرة جدا بالسيارة وكانت مغلقة وليس هناك أي منفذ ضوء فيها. وبقينا فيها مدة 3 ساعات وضاق نفسي وتعرق جسدي وعند ندائي عليهم لأنني قد اختنقت شتموني. وأنزلونا في قاعة كبيرة في منطقة زيكيم وبداخل القاعة عدد كبير من السيدات عراة وليس عليهن شيء وعند دخولي أمرتني المجندة الإسرائيلية بأن أقوم بخلع ملابسي والجلوس مع باقي السيدات، وعند رفضي خلع البنطال ضربتني بقدمها بقوة وكان هناك جندي إسرائيلي على باب القاعة يدخل سيدة ويخرج أخرى ويرى الموجودات داخل القاعة عراة بدون ملابس فقط الداخلي من أسفل. ثم قمت بارتداء ملابسي وقاموا بأخذنا لمكان آخر على أسفلت ووضعنا بقفص وتم إعطاء كل واحدة فرشة وغطاء، وجاء جندي واعطانا علبتي لبنة و2 خبز فينو و2 برتقالة لكل 10 بنات وتفاحة لكل 4 بنات، لا يكفي العدد الموجود من السيدات كنا 24 سيدة داخل هذا القفص.

الساعة الثالثة فجرا، جاءت دفعة أخرى من المجندات وقمن بشتمنا ثم أخذنا لمكان تم تفتيشنا فيه من فوق الملابس وتقييد أيدينا للخلف وربط كيس لا نعلم ما فيه بأيدينا. علمت بعد ذلك بأن الموجود فيه هويتي وحلقي الذهب، أما النقود فلم يعيدوها لي ولا الملابس الخاصة بي.

وقبل ترحيلي إلى غزة صوروني فيديو وقال لي الجندي الإسرائيلي سنقوم بتصويرك وسؤالك عن اسمك ولما أسألك كيفك احكي تمام وبالفعل قمت بتنفيذ ما أمرني به وبعد اغلاق كاميرا التصوير قامت الجندية الإسرائيلية بضربي من الخلف وتقييد يداي للخلف وحملوني في الباص بتاريخ 8/2/2024 وكانت الساعة الثالثة صباحا.

كانت أعيننا معصوبة وأيدينا وأقدامنا مقيدة الأيدي للخلف. الساعة الثامنة وصلنا لمعبر رفح وفكوا قيودنا عند المعبر وكان هناك كمية كبيرة من جيش الاحتلال وأمرونا بالركض بسرعة وعدم الالتفات إلى أي جهة ووصلنا لخيمة للصليب وتم إعطائي ملابس ومنظفات شخصية وتقديم الطعام والشراب لنا.

وتم سؤالنا إذا كان لنا أقارب في رفح أو أخذنا لمدرسة الطائف في رفح. تواصلت مع أبنائي فعلمت حينها بأن إخوة أبنائي من زوجي قاموا بأخذهم من البريج لمنطقة خربة العدس في خيمة فذهبت مع أبنائي إلى مدرسة الطائف.

في المدرسة نعاني من انعدام النظافة وقلة المياه لا يوجد لدي أنا وأبنائي سوى فرشة واحدة وغطاء عبارة عن بطانية. وبعد 16 يوما من خروجي من السجن قمت بالاستحمام بسبب عدم وجود المياه في المدرسة وانعدام النظافة تسبب بوجود القمل في شعري. لم أستطع التأقلم مع هذا الوضع، أنا كنت قبل الحرب أعمل كوافيرة ولكن بسبب الوضع أصبحت أعمل في كل شيء أستطيع العمل به لأستطيع إطعام أطفالي والإنفاق عليهم قمت بالبيع في الأسواق من أدوات التنظيف التي أملكها وقمت ببيع المعكرونة وحاليا أعمل في بيع الدقة كل هذا لأنفق على أبنائي الصغار مع عدم وجود والدهم الذي بقي في غزة.

لقد وصل بي الحال إلى التفكير بترك أبنائي والانعزال بعيدا عنهم لم أستطع مجاراة الحياة في المدرسة ولم أشف بعد من التعب النفسي والضغط الذي مارسه جيش الاحتلال علينا لم أعد أقوى على فعل شيء ولكني ما زلت أحارب حتى نفسي لحماية أبنائي.