عبد القادر جمال محمد طافش، 33 عامًا، متزوج وأب لطفلين، سكان جباليا، شمال غزة.
أنا متزوج من السيدة اسلام بدران، 32 عامًا، ولدي طفلان: ريفان، 11 عامًا، وجمال، 7 سنوات. أنا بدون عمل لإصابتي سابقًا من حادث رياضي.
في صباح 7 أكتوبر 2023، استيقظت على أصوات مرعبة، وبعد معرفة ما حدث من هجوم على غلاف غزة، توقعت أن الأمور سوف تكون صعبة، وقررت نزوح عائلتي إلى منطقة الزيتون في غزة، حيث يوجد بيت أهل زوجتي، وبقيت وحدي في منزلي.
خلال تواجدي في المنزل، كان القصف الإسرائيلي مستمرا في كل مكان، ولذلك قررت النزوح إلى بيت عائلتي الموجود في مخيم جباليا. وعندما طلب الاحتلال بدءًا من 13 أكتوبر، إخلاء الشمال والتوجه نحو الجنوب رفضنا ذلك وبقينا في بيوتنا لأن كل قطاع غزة كان تحت القصف. وبسبب كثافة القصف العنيف من طائرات الاحتلال ومدفعيته قررنا النزوح من بيت أهلي إلى مكان آخر ولكن رجعنا له بعد يوم لوجود القصف في كل مكان. ليلة رجوعنا ارتكب الاحتلال مجزرة مروعة بحق منطقتنا عندما قصف مربعا سكنيا، راح ضحيتها العديد من الشهداء والإصابات. وكان من تلك المنازل منزلنا حيث تم إخراجنا من تحت الركام، ولكن تم فقدان أولاد أختي ولم نعرف مصيرهم إلى الآن بالإضافة للعديد من سكان الحي لم يعرف مصيرهم، وتم نقلنا بسيارات الإسعافات إلى مستشفى كمال عدوان، وكانت تلك الحادثة الأليمة في بدايةً شهر نوفمبر تقريبًا.
طول فترة تواجدنا داخل مستشفى كمال عدوان كانت الأمور تتأزم يوماً بعد يوم. وبعد محاصرة المستشفى كنتُ أعمل رغم وضعي الصعب كمسعف طوارئ بسبب قلة الكوادر الطبية العاملة، وكنتُ أعمل على تخييط جروح المصابين لعدم وجود كادر طبي، علمًا بأنني خريج صحافة وإعلام. وكذلك قمت بتكفين الشهداء مع المختصين لهذا العمل لقلة العاملين في المجال الطبي. وقد عانينا من تحلل جثث الشهداء لعدم المقدرة على دفنهم. كما كانت المستشفى تعاني من اكتظاظ بالنازحين وكنا ننام بين جثث الشهداء والجرحى الذين استشهد منهم عدد كبير بسبب قلة الإمكانيات الطبية وقطع التيار الكهربائي عن المستشفى. بسبب ذلك كنتُ وما زلت أعاني من ضغوط نفسية كبيرة وكذلك أعاني من إصابة صعبة بسبب القصف والحزام الناري الذي استهدف منطقنا.
فترة حصار المستشفى استمرت 4 أسابيع، تخللها قصف مدفعي عنيف لمحيط المستشفى وداخله لاحقًا وعلى أبوابها. ومن أصعب اللحظات لحظة قصف الطابق الأول قسم النساء والولادة وكان هنالك 7 شهداء والعديد من الإصابات نتيجة القصف، ولا أذكر التاريخ بالتحديد.
ولاحقا اقتحمت قوات الاحتلال المستشفى بالكامل في الفترة من 11-13 ديسمبر 2023، بعد دخول الدبابات واستخدام مكبرات طائرات الكواد كابتر للمناداة على الرجال من يزيد أعمارهم عن 16 عامًا فما فوق، بالخروج إلى ساحة المستشفى ورفع اليد والهوية الشخصية. تم إخراجنا خارج المستشفى إلى الشارع العام بدون ملابس، فقط اللباس الداخلي السفلي. خرجنا في مجموعات من 10 أشخاص، وكانت المسافة عن الآليات قريبة جدا تقدر بأقل من 3 أمتار وشعرنا أنفسنا كدروع بشرية وشعرنا بالخطر الشديد نتيجة الاشتباكات التي شاهدناها بأعيننا اتناء احتجازنا. احتجز الجنود 4 أشخاص على ما يقرب 3 آليات كانت تشارك في القتال وفي آخر لحظات خروجنا من المستشفى شاهدت جرافة من ضمن الآليات تحفر في ساحة المستشفى التي كان يوجد بها جثامين شهداء.
اعتقلتني قوات الاحتلال يوم 12 ديسمبر 2023 واحتجزوني في أحد المعسكرات التابعة لهم شمال قطاع غزة، وحققوا معي داخل فيلا عائلة البراوي في شارع بيت لاهيا، التي حولها جيش الاحتلال إلى ثكنة عسكرية.
لحظة دخولي مع معتقلين آخرين لساحة هذا المنزل المجرفة عرضنا على أجهزة لعمليات التفتيش وأجهزة متخصصة لبصمة العين وكنا مجردين من ملابسنا ومقيدين ويتم مرورنا كل 5 أشخاص أمام الكاميرات ومن ينادون عليه بالتقدم والجلوس على ركبتيه وإنزال رأسه بالأرض وكنتُ من ضمن الأشخاص الذين تم النداء عليهم. وقام أحد الجنود بعد نزولي على الأرض بعصب عينيّ ووضع رقم على كتفي ولاصق، وبعدها أجبروني على الجري ما يقارب 500 متر وبعدها ألقوني على الأرض وقام أحد الجنود بضربي وتعذيبي وتغيير وضعية تقييد يدي من الامام إلى الخلف رغم ابلاغي له أنني مصاب وقمت بعمل عمليه بلاتين في كتفي الأيسر وكان ذلك واضحًا له لأنني عاري الجسد. ورغم ذلك استمر في ضربي بحذائه، لدرجة وصولي إلى الإغماء عدة مرات وكذلك ضربي على مكان العملية من الخلف مما أدى لتفاقم الألم. ورغم استنجادي بإحضار طبيب وطلبي منهم أخدي إلى الطبيب رفضوا ذلك. أتى أحد الضابط من الجنود وقال لي: هل تريد الموت؟ وقام برفع سلاحه الشخصي وسحب أجزاء السلاح وإطلاق النار بجوار رأسي.
بعدها تم نقلي لقاعة التحقيق الأولى، وأخذوا بياناتي الشخصية وبعدها أخذوني لمسافة طويلة وأنا أركض وهم يركضون خلفي ويضربونني بشكل متكرر لدرجة أنني فقدت جزءا من قدرتي على السمع في أذني اليسرى وكذلك الإبصار في عيني اليمنى من شدة ضربي وتم نقلي بعد ليلة من عملية التحقيق الأولى.
بعدها وصلت عند شاحنة طلبوا مني الصعود 3 درجات ومن ثم تم تقييد رجلي وضمنا في صفوف بوضعية الإنحناء لغاية الأرض وكان فوقنا أسلاكاً شائكة. وأتناء النقل كان الجو شديد البرودة. وعند توقف الشاحنة المفاجئ اختلطنا ببعض ووقعنا فوق بعض بطريقة مؤلمة. عملية النقل كانت الساعة 12 صباحًا، كنا نشعر أننا نختنق ونحن مكبلون ومعصوبو الأعين، وقبل نزولنا تبول أحد الجنود علينا.
تم نقلنا إلى سجن في ايرز وحين وصلنا لمحت عددا كبيرا من الجنود، قمت برفع جزء من العصبة عن أعيني خلال حك رأسي بأحد الموجودين. كان الجنود مستعدين لاستقبال الشاحنة وصعد أحدهم وتبول علينا قبل إنزالنا من الشاحنة، بشكل هجمي ووحشي رغم تساؤلنا ماذا يحدث. وأنزلنا في شارع طويل وتم إلقاؤنا على الأرض ليلة كاملة تحت المطر والبرد الشديد وذلك بدون أي ملابس علينا ونحن ملقون ومعصوبو الأعين. كنتُ أعاني من الألم الشديد بسبب إصابتي ونتيجة ضربهم الشديد والبرد الشديد. ومن ثم كانت فترة تقدر بربع ساعة حضر عدد من الجنود وضربونا بشكلٍ وحشي وصرخنا جميعًا بصوت عالٍ من شدة الألم.
تم نقلنا إلى موقع 16 الموجود داخل إيرز المتعارف عليه بأنه موقع أمني للتحقيق والمخابرات. وقامت مجندة بالطلب مني خلع اللباس الداخلي السفلي المتبقي علي، وحين رفضت ذلك قامت بضربي أسفل معدتي ضربة جعلتني يغمى علي وفي تلك الأثناء أغمى علي وأنا عارٍ تمامًا.
استيقظت بعد حالة الاغماء على صوت جنديين ينادوا علي وطلبوا أن ألبس لباس (ابرهول أبيض)، بعدها تم صعودي على نظام غرفة حجمها مترين بمترين. وقامت مجندة بسقينا شربة ماء سريعة بطريقة مهينة كالطيور. وأثناء فترة الاحتجاز هذه شعرنا ببرودة شديدة ناتجة عن تشغيل مكيف تبريد في ظل أجواء الشتاء القارص. كانوا يجبرونا على الجلوس على الركب، وإذا غيّر أي محتجز الوضعية يتم الهجوم عليه من الجنود مع تعنيفنا وشتمنا بألفاظ نابية. خلال حجزي هددني الجنود المحققون بالاغتصاب مع شتمي بشتائم جنسية سيئة مع الضرب الشديد لدرجة الدعس على الرأس.
من شدة البرد وهذه الحالة القاسية من التعذيب، حين أطلب الذهاب للحمام للتبول، يقوم أحد الجنود بفتح سحاب اللباس ويطلب مني عمل التبول على الأرض، وفي حالة الحركة والتنقل يضربوني في حالة الذهاب والعودة.
وكنتِ أسمع أصوات التعذيب بشكل قاتل ومرعب للمحتجزين وأنتظر دوري لشعوري بسحب المحتجزين واحدا واحدا. حين الوصول لدوري تم سحبي من عدة جنود من راسي وكتفي مع الضرب الشديد بشكل جنوني وانتقامي وكان لدي شعور مرعب داخلي كأنه يتم أخذي للإعدام.
لاحقا قاموا بنقلي عبر مدرعة خاصة بجيش الاحتلال حيث أدخلوني داخلها وتم وضعي في زاوية منحنية لدرجة وضع رأسي بطريقة لم تسمح لي بالتنفس بشكل طبيعي رغم وجود مشاكل صحية مسبقة لدي، حيث أعاني من الانحراف بالأنف والجيوب الانفية. وهذه الوضعية كانت مؤلمة جدًا. وبعد ساعة وصلنا إلى مكان تم نقلنا بشاحنات إلى داخل إسرائيل، وعرفنا ذلك من خلال ما سمعناه من الجنود.
وبعد إنزالنا نقلونا إلى باص بوضعية جلوس داخل الباص بوضع الرأس بين الأرجل وممنوع رفع الرأس، ووصلنا إلى سجن وسمعت أحد الجنود يقول إنه سجن عوفر ولكن لم أتأكد من اسم السجن.
تم إنزالنا من الباص إلى ساحة " باسكورس " على ركبنا. بعدها تم سحبي إلى كونتينر مخصص للفحص الجسدي، حيث يوجد طبيب وطلبوا إنزال اللباس إلى منتصف جسمي وسؤالي عن أي إصابة في جسدي. أبلغت الطبيب عن الإصابات في جسدي وماذا تعرضت له من الجيش، فأعطاني حبة ديكسامول فقط رغم إبلاغي له بشدة إصابتي، من ثم أعادوني إلى الساحة وعصبوا عيني. وكل مدة كانت تأتي مجندة تقوم بشتمنا بألفاظ رديئة وبالإضافة تضربني كنوع من التعذيب. وتم نقلي داخل السجن نفسه إلى مكان آخر يتواجد فيه أطباء ويتم عمل فحوصات طبية نتج عنها إبلاغي بحالة جسدي الصحية وإني تعرضت لكسر جديد وحالتي تحتاج إلى عملية طبية عاجلة لذلك قال الطاقم الطبي انهم سيقومون بإجرائها في القريب العاجل وأبلغوني أن رقمي 6.
وبعد عدة أيام تم نقلنا بشكلٍ أسبوعي تقريبًا داخل سجون مختلفة وكنت أنتظر كل يوم موعد إجراء العملية التي أبلغوني فيها دون جدوى.
كانت عملية الذهاب إلى الحمام صعبة جدًا وتمر أيام دون أن يسمح لنا بذلك، نظرًا لتقييد أرجلنا بالحديد مع تقييد أيدينا ولا يتم فكها إلا وقت التبول من ناحية الارجل فقط. وبسبب هذه الوضعية القاسية عانيت من إمساك نتج عنه وصولي لمرحلة إصابتي عدة مرات لحالة الاغماء والألم الشديد.. ومازلت أعاني إلى هذه اللحظة من الألم وعدم القدرة على النوم.
استمرت فترة احتجازي عدة أسابيع منذ اعتقالي، كانت مليئة بالصعوبات والتعذيب ما نتج عنها حالة نفسية صعبة وتسببت لي بمشاكل وتلف بأعصابي وصعوبة بالحركة وحالة من الهستيريا والنسيان وعدم القدرة على النوم.
تم الإفراج عني بتاريخ 31/1/2024، من سجن النقب وتسليمي فقط بطاقة الهوية. وعند لحظة الإفراج نقلت مع معتقلين ومعتقلات آخرين عبر باصات نقلتنا إلى معبر كرم أبو سالم شرق رفح. وهناك أنزلونا وطلبوا منا التوجه نحوه البوابة مسرعين وعدم الالتفاف إلى الخلف، ومشينا على الأقدام مسافة نصف ساعة تقريبًا، وكنتُ خلال المشي أستند على المعتقلين معي، حتى وصلنا إلى المعبر. وكان هناك وفد من الأمم المتحدة ينتظرونا بالباصات، وبسبب وضعي الصحي الصعب وحالة الغميان تم نقلي بالإسعاف لمستشفى أبو يوسف النجار برفح وتم اعطائي تقرير دخول ولأنه لا يوجد متسع في المستشفى أعطوني مسكنات وخرجت.
بحثت بشكل فردي عن مأوى وكنت أبيت عند بعض الناس، وأوضاعي المالية صعبة ولا يوجد معي أحد، والجيش أخذ المال الذي كان معي ولم يسلمني إياه عند الإفراج عني. لاحقًا تم إعطائي خيمة أقيم فيها لوحدي، دون عائلتي ودون أن يرعاني أحد في ظل ظروفي الصحية الصعبة.
أعاني من البرد الشديد والحالة الصحية الصعبة الناتجة عن إصابتي، وحالتي العاجلة والملحة لمعالجة صحية طارئة لوجود بروز عظمي في كتفي الأيسر وانهيار عصبي، لدرجة معاناتي من تبول لا إرادي.
حتى الآن لم أستطع التواصل مع عائلتي، وحالتي النفسية سيئة جدًا لحاجتي لهم ومعرفة أخبارهم وحاجتي للرعاية الصحية، وبسبب صعوبة التواصل لانقطاع الاتصالات وعدم توفر شبكات الخلوية.