درويش محمد درويش قنديل، 46 عامًا، أرمل، سكان السطر الشرقي في خانيونس.
أسكن أنا وأخوتي في منزل مكون من 3 طوابق (7 وحدات سكنية)، على مساحة 450 متراً مربعاً، في خان يونس، السطر الشرقي بمحاذاة شارع صلاح الدين.
منذ العدوان على غزة بتاريخ 7/10/2023، لم نغادر المنزل رغم القصف والانفجارات التي كنا نسمعها من حولنا وفي المناطق الشرقية. وفي 4/12/2023، نزح أخي أمين، 40 عاماً، وزوجته وأولاده وزوجة اخي مصعب، 37 عاماً، وابنه، وتبقى في المنزل 28 فردا منهم 5 نساء و18 طفلاً و5 رجال. في حوالي الساعة 9:30 صباح الثلاثاء 5/12/2023، تعرضنا لحزام ناري في محيط المنزل فركضنا إلى أسفل المنزل ونزلنا إلى الملجأ أسفل البدروم بثلاث درجات ومساحته 40 م2. سمعنا أصوات تتحدث باللغة العبرية وصوت طلقات نارية في الشقق العلوية داخل المنزل، فأيقنا أن جنود الاحتلال الاسرائيلي اقتحموا المنزل، واستمر الجنود بإطلاق النار15 دقيقة. وعندما اشتد إطلاق النار داخل المنزل، وصوت الانفجارات في محيط المنزل بدأت نساؤنا تصرخ، وأطفالنا يبكون. وعلى أثر صوت الصراخ والبكاء، عرف جيش الاحتلال الاسرائيلي أنه يوجد أشخاص في الأسفل، فنزلوا إلى البدروم وبدأ جيش الاحتلال الاسرائيلي إطلاق النار في البدروم. وصار أخي شاهين، 42 عاما، وهو دكتور صيدلي، يصرخ باللغة الإنجليزية بصوت مرتفع ويقول: معنا أطفال ونساء. فرد عليه أحد الجنود باللغة الإنجليزية: كم عددكم؟ فقال له اخي: معنا اطفال ونساء. وفي هذه اللحظة جاء أحد الجنود وتكلم باللغة العربية، وطلب منا الخروج رافعين الأيدي جميعا والنساء والأطفال يخرجوا أولا، فخرجت أولا والدتي ابتسام درويش مصطفى قنديل، 62 عاما، وهي لا تضع شيئا على رأسها، وخرجت بعدها أنا ومعي ابني محمد، 11 عاما، وهو مريض (مياه على الدماغ على إثر حادث سير)، فأخذه الجندي مني وأعطاه لزوجتي أسماء التي كانت خلفي. أجلسني تحت الدرج، وفصلوا النساء والأطفال ووضعوهم في غرفة في الطابق الأرضي( الحواصل)، التابع لأخي موسى، ٣٩ عاماً، على الشارع العام. وخرجت أنا واخوتي، مصطفى 41 عاما وابنه محمد 16 عاما، شاهين 42 عاما، ومصعب37 عاما، وموسى 39 عاما، ووضعونا في بيت الدرج. قيدوا أيدينا إلى الأمام بقيود بلاستيكية، وعصبوا أعيننا بقطعة قماش، وأجلسونا تحت الدرج، وكان عدد الجنود ما لا يقل عن 20 جنديا. وسأل الضابط باللغة العربية من صاحب هذا الطابق الأرضي (البدروم)، رد عليه أخي مصطفى أنه له، فسأله الضابط اذا تم قصف المبنى من اين ستخرجون، فارشدهم اخي مصطفى بعد ان فكوا قيوده والعصبة عن عينيه على مكان الخروج من الملجأ. فأحضر أحد الجنود مطرقة 5 كيلو وقام بهدم حجرين من أمام الحمام وهو المكان الذي أرشدهم مصطفى عليه، وعندما أحدث فتحة إلى الملجأ قام الجنود بإطلاق النار على مكان الملجأ ليتأكدوا أنه لا يوجد أي شخص، وبعد ذلك أعادوا مصطفى عندنا. وجاء جندي آخر وسأل أين مصطفى (يعمل مهندس في وزارة الأشغال)، قال لهم مصطفى أنا فأخذوه إلى الطابق الأول في شقتي. وعندها قام الجنود بتفريقنا، وضعوني أنا في حمام البدروم وأنا مقيد ومعصوب العينين بقطعة قماش أجلسوني على كرسي الحمام، وتعرضت عندما أدخلني الجنود إلى الحمام للضرب بصفعات على وجهي ويقول لي اسكت بالغة العبرية(شيكت)، ونزع الجندي بلوزتي، وبقيت بالبنطال. بدأ الجندي بالتحقيق معي حول بياناتي الشخصية وعملي، وأحضر جهاز حاسوب (لاب توب)، وسألني عن المناطق التي يطلق منها الصواريخ، وتحديدها على اللاب توب، وأين مكان الأنفاق، ومن تعرف من جيرانك أشخاص من حماس. استمر التحقيق لأكثر من ساعة، وبعدها اقتادوني إلى شقتي في الطابق الأول، ورفعوا العصبة عن عيني، وبدأ جنود الاحتلال الاسرائيلي بتكسير وتحطيم الأثاث وأثاث غرف أبنائي، وإطلاق النار على شاشة التلفاز كانوا يتراهنون من يصيبها أمام عيني أثناء التكسير. وكانوا يقولون حماس بتعوضك ويضحكون عليّ. وشاهدت أخي مصطفى وهو ينزف دما من وجهه ويديه من جراء الاعتداء عليه بالضرب من جنود الاحتلال الإسرائيلي. وسألني الجندي أين هويتي وجوالي فقلت مع الضابط تحت. ولحظتها سمعت صوت صراخ النساء والأطفال، واقتادوني من الطابق الأول إلى الأرضي فشاهدت ابنتي ليان 15 عاما، سألتها لماذا تصرخين فقالت لي أخذوا معظم هواتفنا والذهب، الحاسوب (لاب توب)، والنقود فسحبها الجندي إلى الداخل وقال لها (شيكت) باللغة العبرية. أعادوني إلى حمام البدروم، ومكثت حوالي 3 ساعات كنت أسمع فيها صوت صراخ أخوتي جراء الاعتداء عليهم بالضرب من جنود الاحتلال الإسرائيلي.
في حوالي الساعة 5:45 مساء أخرجوني أنا وأخوتي إلى خارج المنزل فشاهدت من تحت العصبة الأرض التي حولنا تم تجريفها وممسوحة لا أعرف معالمها. أبلغني الضابط أنه سيتم اعتقالي أنا وموسى ومصطفى وابنه محمد، وأصعدوني إلى ناقلة جند أنا وأخي موسى، ومصطفى وابنه محمد في ناقلة جند أخرى وبقي أخي شاهين، ومصعب مع النساء والأطفال. سارت بنا ناقلة الجند حوالي 45 دقيقة باتجاه الشمال لمنطقة محفوظة جنوب دير البلح، وكان يوجد تلة من الرمل أجلسوني أنا وموسى على جانبها، والجانب الآخر أجلسوا مصطفى وابنه. كان يوجد الكثير من الجنود وكانوا يضربونا لمدة ساعة تقريبا بأيديهم وأقدامهم. سالت الجندي: لماذا أخذتمونا؟ فرد علي قائلا: إنكم موظفو حماس؟ قلت له: أنا لست موظفا. قال لي الضابط: أنت كاذب، لم تقل الحقيقة. بعد ساعة اقتادوني أنا وموسى إلى ناقلة جند سارت بنا حوالي ساعة ونصف وأنزلونا في موقع عسكري. وجاء شخص عرف عن نفسه أنه سليمان العرابيد يرتدي زي جندي إسرائيلي ويتحدث العربية بطلاقة وأبلغنا اننا في كرم ابو سالم، وخلع البنطال عني وبقيت بالبوكسر، وهمس بأُذني قائلا سأجعلك أن لا تنسى اسمي أبدا وقام بشد القيود البلاستيكية على معصمي حتى نزفا دما وقام بضربي بقدميه على جسمي، ولكمات على رأسي وصفعني على وجهي، وسب وشتم، والفاظ نابية (ك** امك، ك** أختك أنا بدي ** أمك ألفاظ خادشة للحياء)، ثم أحضر قلم لبّاد وبدأ يكتب على جسمي حماس حماس، وعندما يأتي وينادي علي يقول رد عليّ بأن اسمك حماس وليس درويش. شعرت أنني بحاجة للحمام للتبول ومن شدة الألم طلبت من الجندي سليمان الدخول للحمام ولكنه رفض وقال لي تبول على نفسك، فتبولتُ على نفسي، وعندما شاهدني تبولت على نفسي قام سليمان العرابيد بالتبول عليّ، واستمر المدعو سليمان طوال الليلة يضربني بشدة حتى طلوع الفجر بقدميه، وصفعات. كانت أصعب وأسوأ ليلة في حياتي. في صباح اليوم التالي جاء ضابط وعندما شاهد الدماء تنزف من يدي صرخ على العرابيد وقال له: لماذا فعلت بهم هكذا (باللغة العبرية)؟ أعطاني الضابط بطانية، وبطانية لمحمد ابن أخي مصطفى وأجلسونا على ركبنا على الأرض، ومن ثم قام بفك قيد يدي من الأمام وقيدهما للخلف وقيد أقدامنا بقيود بلاستيك، وأحضروا معتقلين آخرين 5 منهم من عائلة النجار، وأصعدونا في ميكرو باص 25 معتقلا اقتادونا مرة أخرى عند ابو هولي طوال هذه الفترة من كرم أبو سالم لغاية ابو هولي بدون طعام ولا شراب، وأرتدي فقط البوكسر وأتعرض للضرب من الجنود. عند وصولي ابو هولي عرضوني على الطبيب الذي سألني هل أعاني من أي امراض مزمنة. بعدها أخذ الجندي مني الامانات 1200 شيكل والهوية وجوالي من نوع شاومي، وأصعدنا إلى الباص الذي سار بنا حوالي ساعتين إلى داخل الشريط الحدودي. انزلونا من الباص إلى موقع عسكري، وأمرنا الجنود بالسير طابور خلف بعض، وفك الجنود قيودنا. أمرونا بخلع البوكسر ثم فحصني الجندي بجهاز فحص المعادن، وبعدها أعطاني ترنق سكني اللون بدون اي ملابس داخلية، وقاموا بتصويرنا بجوالاتهم، وادخلونا مرة أخرى على الطبيب وسألني هل اعاني من أمراض مزمنة. قال لي الضابط أنت رهن الاعتقال ويجب عليك أن تلتزم بالتعليمات، ووضع في يدي حلقة بلاستيكية مكتوب عليها رقم الاعتقال 781 وأعطاني فرشة رقيقة جدا وبطانية وأدخلوني في مردوان (بركس)، محاط بشبك من جميع الجهات مسقوف بألواح الصفيح (زينكو). قضيت في الاعتقال 23 يوما، تعرضت فيها للتحقيق 7جولات.
وتم الإفراج عني صباح 28/12/2023، حيث وصلت إلى بركس فيه ايضا موظفين من الصليب الأحمر، أعطونا مواد تنظيف فقمت بالاستحمام وحلقت لحيتي واعطونا وجبة فاصولياء وأعطتني مسؤولة الوكالة 50 شيكلا. فركبت سيارة إلى دوار النجمة برفح وذهبت إلى منزل عمة زوجتي وعرفت مكان نزوح حماتي ناهد كلاب في منطقة مسجد العطار، وتوجهت إليها وسألتها عن أسرتي فأبلغتني أن آخر تواصل كان معهم بتاريخ 13/12/ 2023، الساعة 4:30 مساء، وكان التواصل على جوال ابنتي رزان 19عاما، الذي كانت محتفظة به. كما علمت أن ابن عمي محمد خميس قنديل 33 عاما تواصل مع أخي مصعب في اليوم نفسه 13/12/2023، وطلب من مصعب الخروج من المنزل فأبلغه أن جنود الاحتلال قالوا لهم ابقوا في المنزل وأن المنطقة أمان، وبعد هذا التاريخ انقطع الاتصال بهم. بعد ذلك بدأت أبحث وأسأل عنهم لأكثر من شهر إلى أن عرفت أنه تم قصف المنزل فوق رؤوسهم واستشهدوا، حيث تمكن أخي أمين صباح 8/2/2024، من الوصول للمنزل ونزل إلى البدروم وشاهد جثة أخي مصعب ملقاة على الأرض أمام بيت الدرج وشاهد حقائبهم على بسطة الدرج فايقنا أنهم موجودون تحت الأنقاض في المنزل. واستمر هذا الحال حتى انسحاب جيش الاحتلال الاسرائيلي من السطر الشرقي ومن خان يونس (في 7/4/2024). في حوالي الساعة 11:00 صباح 8/4/2024 ذهبت إلى المنزل فرأيته مدمرا لا يصلح للسكن عبارة عن كوم من الركام جراء قصفه من طائرات الاحتلال الإسرائيلي، ووجدت أخي موسى الذي أفرج عنه بتاريخ 25/1/ 2024 وأخي أمين، ومحمد خميس قنديل 33 عاما وهو ابن عمي في المنزل وعندما حاولت الدخول إلى البدروم لم أستطيع تحمل رائحة الدم، ومشاهدة أهلي موتى متحللين، وقمت بالاتصال على الدفاع المدني الذي لم يأت بسبب نقص المعدات ولوجود شهداء فوق الأرض في الشوارع. في حوالي الساعة 10:00 صباح ٩/٤/٢٠٢٤ بدأنا إخراج الشهداء كنا نبحث بمعدات بسيطة (بالشاكوش وأزميل وطوريه وكريك)، وأخرجنا في اليوم الاول جثث 5 شهداء وتم التعرف عليهم من ملابسهم متحللين بنسبة عالية ٨٠%وهم:
شاهين محمد درويش قنديل،41 عاما
مصعب محمد درويش قنديل، 37عاما
يزن شاهين محمد قنديل، 10 سنوات
سارة شاهين محمد قنديل، 5 سنوات
براء درويش محمد قنديل، 5 سنوات
وفي حوالي الساعة 8:00 صباح 11/4/2024 استدعينا الدفاع المدني الذي حضر ومعه معدات بسيطة ولم نستطيع إخراج أحد. وبعد ذلك استمر البحث وانتشال باقي الشهداء مدة 7 ايام متواصلة واستطعنا من إخراجهم وعددهم 19 شهيدا، وكان آخر شهيد ابني زين 4 سنوات؛ لأنه تحلل ولم يكن سوى العظام وملابسه، وقمنا بدفنها في قبر أحد شهدائنا.
علمًا أن جثامين جميع الشهداء (عددهم الإجمالي 24 منهم 5 نساء، منهم 17 طفلا، ومن الأطفال 9 إناث) كانت متحللة بنسبة ٨٠% ولم يتم التعرف عليهم إلا من ملابسهم، وعثر على 5 منهم في بيت الدرج من الجهة الشمالية والباقي في ملجأ المنزل المكان جنوب أسفل بيت الدرج من الجهة الشرقية الذي ينزل له ب3 درجات، وقد دفنوا جميعا في مقبرة أهالي يافا غرب خانيونس جنوب النمساوي.