يشكل السجن في السياق الاستعماري الصهيوني مكاناً ووسيلة مركزية لمحاولات السيطرة على الفلسطينيين وهندسة وعيهم، خاصة في إطار السعي لمنع الفلسطينيين من مقاومة الاستعمار وترهيب السكان ضمن ما يسمى بسياسات "الردع" الصهيونية. وقد طوّر الاستعمار الصهيوني سياساته السجنيّة منذ العام ١٩٤٨، وانتهج أساليب ووسائل متنوعة في سعيه لتعزيز المنظومة السجنيّة وتطوير أدوات العنف المستخدمة. وتشير الاحصائيات إلى اعتقال ما يقارب المليون فلسطيني منذ العام ١٩٤٨، وأن ٢٠ بالمائة من الفلسطينيين قد تعرضوا للاعتقال منذ احتلال عام ١٩٦٧. وترتكز المنظومة السجنيّة على قوانين وأوامر عسكرية وقرارات من "محكمة العدل العليا" وضعت – وطوّرت – من أجل تسهيل عمليات الاعتقال وتجريم أي فعل اجتماعي وسياسي فلسطيني، بالإضافة إلى شرعنة التعذيب والعنف داخل السجون، والاعتداء على حقوق الأسرى المنتزعة خلال أعوام من النضال، وإصدار أحكام تصل إلى عشرات المؤبدات في بعض الحالات.
وقد كثفت سلطات الاحتلال من حملات الاعتقال اليومية حيث تشير إحصائيات مؤسسات الأسرى أنه منذ السابع من أكتوبر وحتى منتصف أيلول 2024 تم اعتقال ما يزيد عن 10,700 أسير وأسيرة، بالإضافة إلى عدد غير معلوم من أسرى قطاع غزة يقدر بالآلاف. كما وتصاعد اللجوء لسياسة الاعتقال الإداري بحق الفلسطينيين، فقد بلغ عدد المعتقلين الإداريين 3323 حتى منتصف شهر أيلول2024 . وقد حولت سلطات الاحتلال السجون إلى ساحة حرب يستخدم بداخلها التعذيب والضرب المبرح، الإعدامات الميدانية، والإهانة الجسدية والنفسية. وقد شملت هذه الهجمة المستمرة تجريد الأسرى من كافة مكتسباتهم المنتزعة عبر عقود من النضال من ضمنها سحب كافة مقتنياتهم البسيطة والمواد الغذائية داخل الغرف بالإضافة لإغلاق المقاصف وانتهاج سياسة تجويع ممنهجة داخل أقسام الأسرى الفلسطينيين، وتقليص كميات المياه والكهرباء المتاحة لهم. كما حرمت الأسرى بشكل عام، والأسرى المرضى بشكل خاص، من الحصول على العلاج ومنعتهم من الخروج للعيادات الخارجية والمستشفيات. وشملت هذه الحرب داخل السجون عزل الأسرى بشكل كامل عن العالم الخارجي من خلال منع زيارات الأهالي وزيارات الصليب الأحمر الدولي، والتضييق بشكل كبير على زيارات المحامين التي تم منعها لفترات طويلة، وما زال المحامين يتعرضون لتضييقيات مستمرة وإلغاء زيارات بحجج تفشي الأمراض. ويشير الأسرى المحررين في شهاداتهم إلى ظروف الاعتقال الصعبة جداً والعنف والتعذيب المستمر داخل السجون ومعتقلات الاحتلال.
وبفعل الهجمة المستمرة، استشهد في سجون الاحتلال منذ السابع من أكتوبر ما لا يقل عن 40 أسير ممن كشفت هوياتهم، بالإضافة إلى عدد غير معلوم من أسرى قطاع غزة غير والذين استشهدوا داخل سجون الاحتلال ومعسكراته، وما تزال سلطات الاحتلال تحتفظ بجثامين معظم الشهداء الأسرى، بالإضافة للجثامين المحتجزة منذ العام 1967. وقد برز معتقل "سديه تيمان" السري كأبرز المعتقلات للاعتداء وتعذيب وقتل الأسرى الفلسطينيين، ضمن شبكة واسعة من المعتقلات والسجون ومراكز التحقيق الإسرائيلي التي يمارس بداخلها شتى أشكال العنف والتعذيب المستمر. ويشكل هذا العنف الممنهج والمستمر مصدر قلق لأهالي الأسرى، خاصة في ظل انقطاع كافة وسائل التواصل معهم.
وفي ظل الهجمة المستمرة على الأسرى وتصعيد حالات الاعتقال والعنف داخل السجون فإن توثيق واقع الأسرى يشكل ضرورة ملحة. فالسجن الصهيوني اليوم – كما في محطات سابقة من التاريخ الفلسطيني – هو أحد الجغرافيات الاستعمارية التي تساهم في فهم سياسات الإبادة المنتهجة من قبل الاستعمار وتشابكها مع وسائل العنف والتعذيب المختلفة، ويساعد إدراك واقع السجون على تحليل أثار الحرب المستمرة على الشعب الفلسطيني. كما أن سياسات الاحتلال السجنيّة تشكل انعكاسا للسياسات خارج السجن، وفي صلبها حرب الإبادة المستمرة داخل وخارج السجون.
تهدف هذه المنصة إلى توثيق حالات الاعتقال وواقع السجون وأساليب العنف والتعذيب المستمر منذ السابع من أكتوبر، وما صاحبها من تغيرات في المنظومة السجنيّة الصهيونية، ومن ضمنها القوانين والأنظمة المنتهجة للتضييق على الأسرى الفلسطينيين وأساليب التعذيب المستخدمة من قبل مصلحة السجون وجيش الاحتلال. وتسعى المنصة لتحقيق أهدافها من خلال إعداد قاعدة بيانات وافية حول جوانب المنظومة السجنيّة الصهيونية المتعددة بعد السابع من أكتوبر، وتقديم معلومات دقيقة ومفصّلة عن واقع الأسرى منذ السابع من أكتوبر.
يشار إلى أن مؤسسة الدراسات الفلسطينية، تحديداً خلال العشر سنوات الماضية، أولت اهتماماً كبيراً في قضية الأسرى لناحية ظروف وواقع الاعتقال، عنف المنظومة السجنيّة، والأوضاع القانونية للأسرى. ونشرت المؤسسة عدد من الكتب حول المنظومة السجنيّة وواقع الاعتقال، من ضمنها كتاب أسرى بلا حراب، الاعتقال الإداري في فلسطين كجزء من المنظومة الاستعمارية، تجربة الاختفاء الفلسطينية تحت الاحتلال الاسرائيلي: ١٩٦٧ - ٢٠٢٢، لست وحدك: ذاكرة حرية تتدفق، بالإضافة إلى تخصيص المجلة أعداد وملفات وأبواب خاصة بتجربة الأسر شملت العدد الاخير "وليد دقة: العين المفتوحة"، العدد ١٢٨ "كلام الأسرى.. عيون الكلام"، العدد ١٢٩ "فلسطين: البحث عن عنوان"، والعدد ١٣٥ "السجن الاسرائيلي: المكان الموازي والجامعة الموازية". هذا بالإضافة لتخصيص مساحة على مدونة الدراسات للمنشورات حول ومن قلب الأسر
ويأتي هذا السجل التوثيقي في سياق الحرب المستمرة منذ السابع من أكتوبر، والتي تشمل الحرب على الأسرى الفلسطينيين، وضرورة توثيق ما يحصل داخل السجون والظروف التي يمر بها الأسرى والتحولات داخل المنظومة السجنيّة، وذلك في سعي مؤسسة الدراسات المستمر لتسليط الضوء على أحد أبرز القضايا الوطنية، خاصة في ظل ما يمر به الأسرى الفلسطينيون من عنف وتعذيب مستمر.